Site icon IMLebanon

هل تنجح انتفاضة من دون قيادة؟

 

كان العميد ريمون أده يقول إن في لبنان “تتشرشح” أكبر القضايا والشعارات، وهو استند في ذلك إلى غزارة العناوين التي تدفقت على السوق الشعبي اللبناني في مرحلة الخمسينات والستينات وتحولت في لحظة ما إلى ما يشبه مفترق طرق، لكنها تلاشت بعد حين ودخلت في باب الذكريات.

 

يمكن تعداد الكثير من تلك العناوين من المرحلة المذكورة ومن المراحل اللاحقة، والسبب الرئيس في ذلك ربما يعود إلى طبيعة الانقسام اللبناني المكرس في النظام الطوائفي، الذي يجعل من مسألة شديدة الأهمية لدى فئة ما منعدمة القيمة لدى فئة اخرى، فإذا قاد الاختلاف بين الفئتين إلى اصطدام فالنتيجة ستكون صلحاً فوقياً فحواه “لا غالب ولا مغلوب”، يبقي القديم على قدمه مع مسحة تجميلية قد تفرضها الضرورات.

 

حتى تحرير الجنوب الذي كان يفترض أن يتحول عيداً شعبياً حقيقياً أدرج في الخانة إياها، فالمقاومة التي انجزته ألغيت صفاتها الوطنية واعتبرت “إسلامية ” في تسمية تبعد عنها المعنى الوطني الشامل لتلحقها بمشروع يتعدى حدود الأوطان.

 

هذه المقدمة للقول إن الانتفاضة الشعبية اللبنانية مهددة أيضاً أن تصبح ذكرى طيبة لدى غالبية اللبنانيين، في مسار يؤكد صحة نظرية العميد بعد اطلاقها بنصف قرن.

 

صحيح أن قوة الانتفاضة هي في شمولها واتساعها لكن مطلبها في التغيير الحقيقي لن يمتحن إلا في انتخابات نيابية وفق قانون عصري عادل، وحتى يتحقق ذلك فإن مطلب الحكومة الإنقاذية من ذوي الأكف النظيفة هو الهدف المباشر والعاجل. لكن هذا الهدف الذي يبدو بسيطاً ومشروعاً يمكن لقوى السلطة أن تخضعه إلى حساباتها فتدخله في صراعاتها ومنافساتها على مواصلة الامساك بالحكم، من دون أي احترام لصرخات آلاف المواطنين من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.

 

هل يستدعي ذلك قيام قيادة محترمة ومقنعة للانتفاضة تحاصر ألاعيب السلطة؟ يبدو أن الجواب على هذا السؤال بات ملحاً لتحديد أفضل السبل لمواصلة الحركة الشعبية وإيصالها إلى أهدافها.