تكرّر أوساط العماد ميشال عون القول إن ما يهمها في الظرف الراهن هو التوصل الى تعزيز الدور المسيحي في اطار الشركة الوطنية الحقيقية. وهذا يبدأ بوضع قانون عادل ومتوازن للانتخابات النيابية يترجم المناصفة الفعلية كما نصّت عليها المادة 24 من الدستور بحيث لا تبقى مناصفة على الورق، وان اعادة تكوين السلطة تبدأ بوضع هذا القانون.
لكن تناقص عدد المسيحيين اضافة الى انقسامهم واختلاف مواقفهم وتعدد أدوارهم حتى حيال القضايا المصيرية يجعل من الصعب على أي قانون للانتخابات النيابية تحقيق المناصفة إلا إذا اعتمد “المشروع الارثوذكسي”، وهو مشروع مرفوض لأنه يضرب الوحدة الوطنية والعيش المشترك، ويعزّز التطرف السياسي والمذهبي، وهو ما لا يتلاءم وتركيبة لبنان الدقيقة والحساسة بحيث يفجرها ويفجر معها الكيان.
لقد كانت الانتخابات النيابية في الماضي ووفقاً لأي قانون يرأس فيها الزعماء المسيحيون لوائح الموالاة ولوائح المعارضة في معظم الدوائر، وكانت تلك الانتخابات تخاض على اساس خط سياسي لهذه اللائحة أو تلك، ولم تكن كما اصبحت اليوم تخاض على أساس مذهبي وطائفي بحيث باتت أقلية لمذهب ترجح كفّة مرشح في دائرة غالبيتها من مذهب آخر، وهو ما لم يكن يحصل في الماضي، فكثيراً ما كان مرشح مسلم يفوز بأصوات أكثرية مسيحية، ومرشح مسيحي يفوز بأصوات أكثرية مسلمة لأن الناخب كان يقترع لخط سياسي وليس لمذهب كما الآن.
وما دامت الانتخابات النيابية تخاض حتى الآن على أساس مذهبي وطائفي وليس على أساس سياسي ووطني، فما من قانون للانتخابات يستطيع ان يحقق المناصفة الفعلية بسبب العدد وتغير الوضع الديموغرافي، سواء اعتمدت الدائرة الصغرى او الفردية، خصوصاً عندما يكون فيها خليط من المذاهب اذ ان اصوات الاقلية الموحدة لمذهب معيّن تتغلب على أصوات أكثرية لمذهب آخر وهي متفرقة.
لذلك فان الوسيلة الفضلى لتحقيق المناصفة هي في تشكيل لوائح ائتلافية حيث بإمكانها أن تضم مرشحين يمثلون فعلاً بيئتهم، او إقامة تحالف مسيحي او ماروني اسوة بالتحالف الشيعي المؤلف من “حزب الله” وحركة “أمل” الذي جعل الصوت الأقلي الشيعي في أي دائرة يرجّح كفّة مرشح لم ينل اصوات الاكثرية في مذهبه. وكذلك الأمر بالنسبة الى الصوت السني والصوت الدرزي لأن أصوات المسيحيين تتوزع على عدد من المرشحين المسيحيين في الدائرة فيصبح صوت الأقلية المسلمة هو الوازن. وبما أن التحالف الثنائي الشيعي هو الذي يحتكر قرار الطائفة، ليس في الانتخابات النيابية فحسب، إنما في انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس وعند تشكيل الحكومات وعند اختيار الوزراء والحقائب تحت طائلة التهديد بعدم المشاركة في أي منها فيختل عندئذ التوازن في “الميثاق الوطني”. وبما ان لـ”تيار المستقبل” الكلمة الاولى في الطائفة السنية، فان الطائفة المسيحية، وتحديداً الطائفة المارونية، لا كلمة واحدة لها كي تحصل على حقها من المناصفة إلا اذا قام تحالف ثلاثي من الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع يجعل الصوت المسيحي الموحّد يصب في لوائح هذا التحالف فيحول عندئذ دون تمكين صوت الأقلية لأي مذهب من ترجيح كفّة مرشح لا يمثل بيئته. ومن دون قيام هذا التحالف فان أصوات المسيحيين تبقى موزعة بين عدد من المرشحين المتنافسين ليصبح الصوت الأقلي هو الصوت الوازن.
فليس ما يجمع سياسياً بين الجميل وعون وجعجع كي يتمّ تشكيل لوائح لها خط سياسي واحد تنافس اللوائح الأخرى إلا اذا صار اتفاق على ان تقوم سياسة التحالف ليس بين مؤيد للتيار الايراني ومناهض له، وهو القائم حالياً وينقسم المسيحيون حول ذلك، انما اعتماد سياسة الحياد ترجمة لـ”اعلان بعبدا” والعبور الى الدولة القوية القادرة.
فهل يتم الاتفاق بين الاقطاب الموارنة الثلاثة على هذه السياسة كي يصبح في الامكان تشكيل لوائح انتخابية موحدة في معظم الدوائر ويكون فوزها مضموناً ومحققاً للمناصفة الفعلية التي لا يستطيع أي قانون للانتخابات تحقيقها؟
الواقع ان التعددية عندما كانت موجودة في الماضي داخل كل مذهب لم يكن ثمة كلام على المناصفة لأن الأكثرية التي كانت تفوز في الانتخابات كانت اكثرية من خط سياسي واحد وهي التي تحكم. ولكن عندما زالت هذه التعددية لم تبق الا داخل الطوائف المسيحية ولا سيما داخل الطائفة المارونية، فمن الطبيعي ان يفوز عدد من مرشحيها بأصوات موحدة لأقلية مذهبية.
لذلك فما على عون وجعجع سوى الاتفاق على اعتماد خط سياسي واحد يسمح بتشكيل لوائح انتخابية موحدة، ويكون نواة جبهة وطنية هدفها تحييد لبنان عن صراعات كل المحاور.