علمت «الجمهورية» أنّ الصرح البطريركي في بكركي يستعدّ لعقدِ اجتماع استثنائي عند التاسعة والنصف صباح غدٍ السبت، سيَرأسه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ويضمّ كلّاً مِن اللجنة الأسقفية، اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة والهيئة التنفيذية العامة للمدارس الكاثوليكية، لمواكبة المستجدّات على خطّ الملف التربوي نتيجة شدِّ الحبال المتواصل. وأمس، نفّذ أساتذة التعليم الخاص إضراباً، فأقفَلت بعضُ المدارس أبوابها، وتجمَّع المعلّمون في ساحة رياض الصلح تزامُناً مع انعقاد لجنة المال والموازنة، مطالبين بعدم المساس بحقوقهم ورافضين مبدأ التقسيط للدرجات السِت أو عدم احتساب المفعول الرجعي، وذلك رغم مناشدات اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة بعدم الإضراب.
مِن المُعيب ما تشهَده السَنة الدراسية من سجالات بين مكوّنات الأسرة التربوية، فيكاد لا يمضي أسبوع من دون بيانٍ تحذيريّ وبيانِ ردٍّ على التحذير، وإضراب، ودعوة إلى الاعتصام، بالإضافة إلى اجتماعات مُعلنة وأخرى بعيدة من الإعلام وحتى من القدرة على الخروج منها ببيان متّفَق عليه … ولكنّ كلّ هذه الحركة و«اللف والدوران» لا تزال في إطار «الحركة بلا بركة».
فالأساتذة المتقاعدون من دون «ولا ليرة» منذ آب 2018، وقضية الدرجات السِت لم تُبت، والأهالي تجَرّعوا صدمة زيادات الأقساط «بالتقسيط»، وبعض الإدارات مقصّرة في منحِ أساتذتها حقوقَهم وفق القانون 46.
بكركي تتحرّك
يحزُّ في نفس «بكركي» وسيّد الصرح البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مشهدُ إضراب الأساتذة وإضاعة يومِ تدريسٍ على التلامذة.
«غبطة الراعي متمسّك بالحوار للوصول إلى حلول تُرضي مكوّنات الأسرة التربوية من دون أن تأتيَ على حساب طرفٍ دون آخر»، يقول رئيس اللجنة الأسقفية المطران حنا رحمة، موضحاً في حديث لـ«الجمهورية» خلفيات الوضع التربوي المترهّل: «غرِقَت الدولة وأغرَقت معها القطاع التربوي بقانون تتعذّر ترجمتُه.
لقد وُعِد الأساتذة خيراً، لذا لن يألوا جهداً لتطبيق القانون 46». ويضيف: «المؤسف أنّ الدولة تتصرّف من دون أيّ تقييم لأدائها أو لدراسةٍ مسبقة لتشريعاتها. بالنسبة إلينا، منذ اللحظة الأولى، وبعد دراسات معمّقة قمنا بها، وبعدما تبيّن لنا تعَذّر الأهالي عن تحمّلِ أيّ زيادة كما المدارس، طالبنا الدولة بأن تتكفّل بدفع ما هي مسؤولة عمّا شرّعته، والمؤسف حتى الآن أنّها تصمّ أذنيها وتترك المكوّنات التربوية تتصارع في ما بينها».
إجتماع ثانٍ
ليست المرّة الأولى التي تتحرّك فيها بكركي جاهدةً لترتيب ما تصدَّع في المشهد التربوي، منعاً من أن تخرج الأمور عن مسارها الطبيعي، وذلك نظراً إلى الأهمّية الكبيرة التي توليها للتربية ولوجهِ لبنان الثقافي. فقد سبقَ أن عَقدت في 1 شباط 2018 اجتماعاً تربوياً موسّعاً، وأبرز ما خرج به المجتمعون «إلتزام المؤسسات التربوية الخاصة التقيّد بتطبيق سلسلة الرتب والرواتب بموجب الجدول 17، على أن تتحمّل الدولة تمويلَ الدرجات السِت».
وبعد أقلّ من شهرين دعت بكركي لعقد اجتماع ثانٍ، أمّا بالنسبة إلى ما يمكن أن يحمله، فيجيب رحمة: «يأتي هذا الاجتماع ليؤكّد ما سبقَ وقالته بكركي لجهة الدرجات السِت أنّ على الدولة تسديدها، بالإضافة إلى قضايا تفصيلية تخدم الملفّ التربوي».
دولة نهبَت الجيوب
واستنكرَ رحمة أسلوبَ المعلمين في لجوئهم إلى القضاء، سائلاً: «على مَن سيشتكون؟ على من سيَرفعون دعواهم؟ بحقّ مَن علّموهم وكبّروهم وفتحوا لهم مؤسساتهم؟»، مستغرباً في الوقت عينه «عدمَ مطالبة الأساتذة المدارسَ التي لم تُسدّد اشتراكاتها للصندوق؟».
واعتبَر رحمة أنّ الكرة في ملعب الدولة قائلاً: «نَمرّ بفترةٍ يقلّ فيها العقلاء، واختلط «الحابل بالنابل»، والفوضى عارمة، لذا باتت الكرة الآن في ملعب الدولة التي وعدت وشرَّعت وعليها تحمُّل تبعات ذلك»، ويضيف متأسّفاً: «دولة جيبتها فاضية بعدما نهبت جيوب الناس، والله وحده يَعلم أين تبخّرت تلك الاموال»، داعياً الأساتذة إلى «تصويب البوصَلة بشكل جيّد ومنطقي، وليسألوا أنفسَهم من يملك الأموال؟ من يملك القرار؟»، معتبراً «أنّ الدولة لم تكسب شيئاً سوى أنّها نجحت في خلق خلافٍ بين مكوّنات الأسرة التربوية»، متأسّفاً «للوعود الفارغة التي قُطِعت على مسامعهم وهم يَجولون على الرؤساء والمعنيين من دون الوصول إلى الحل».
الإضراب المفتوح «وارد»
في موازاة ذلك، نفّذ معلّمو التعليم الخاص اعتصاماً في رياض الصلح قبل ظهر أمس، بالتزامن مع انعقاد لجنة المال والموازنة.
وتحدَّث نقيب المعلمين رودولف عبّود لـ«الجمهورية»، قائلاً: «نحن ضدّ تقسيط الدرجات السِت لثلاث سنوات، وضدّ عدمِ احتساب المفعول الرجعي، لذا المسألة محسومة لدينا، نحن ضدّ تغيير القانون 46». وأكّد «أنّ الأساتذة سيلجؤون إلى الدعاوى القضائية التي باتت قريبة التنفيذ، وسيتمّ توكيل محامٍ عن معظم المتضرّرين الذين لم ينالوا حقوقهم».
إلى أين ستتّجهون؟ يجيب عبود: «بعد اجتماعات مكثّفة للجمعيات العمومية أعطت النقابة الضوءَ الأخضر لإعلان الإضراب المفتوح، ولكن سنتريّث حتى الاثنين نظراً إلى أنه لم يتمّ التطرّق إلى الملف في اجتماع لجنة المال والموازنة، وقد أرجئ النقاش إلى الاجتماع مطلعَ الأسبوع المقبل».
كيف بدت الساحة؟
منذ العاشرة صباحاً بدأ الأساتذة يتوافدون إلى ساحة رياض الصلح كأسراب من كلّ حدبٍ وصوب، من الشمال والجنوب. «لم نحصل إلّا على غلاء المعيشة، أمّا الدرجات السِت فأقربُ إلى الحلم»، تشكو المعلّمة عيدا شلفوني همَّها لـ«الجمهورية».
أمّا إحدى المعلمات من مدرسة الناصرة في الشمال، والتي تحفّظت عن ذِكر اسمها، فتقول: «منذ 37 سنة أدرِّس، وراتبي الأساسي فِعلاً أخجل من الإفصاح عنه. إرتفعَت الأقساط على طلّابنا ولم ننَل إلّا جزءاً من حقوقنا، نُشارك في الإضراب ولكن لسنا في مواجهة مع إدارتنا إنّما لنطالبَ بحقّنا وبرفضِنا الفصلَ في التشريع بين القطاعين العام والخاص».
«فضيحة العصر»
وفي كلمةٍ له باسمِ المعتصمين خاطبَ عبود المعنيين قائلاً: «خُذوا رواتبنا بَس ما فيكُن تاخدو كرامِتنا». وتوقّف عند جملة من القضاياً، أبرزُها مشكلة صندوق التعويضات، واصفاً إيّاها بـ«فضيحة العصر»، فقال: «لم يعُد بوسعنا تحمّل الذلّ، 7 أشهر من دون أيّ مدخول للأساتذة المتقاعدين، أوضاع صحّية محرجة يعانون منها ولا مَن يلتفت. ورغم ذلك نُتّهَم بأننا نستغلّ القضايا الإنسانية».
وانتقَد ما يتعرّض له الأساتذة من ضغوط لعدمِ السماح لهم بالمشاركة في الإضراب، قائلاً: «المدارس الكبرى تحسُم من رواتب معلّميها الزهيدة ولا تُسدّد مستحقّاتها لصندوق التعويضات، من المعيب ذلك. كذلك بعض الإدارات تُمارس ضغطاً بحقّ أساتذتها لمنعهم من المشاركة، فأيضاً ذلك من المعيب».
ويُنهي عبود كلمته، مؤكّداً أنه «إمّا نحن شركاء في الرسالة التربوية أو «عمرا ما تكون»، لا بدّ مِن محاسبة المتخلّفين عن تطبيق القانون»، فتهتفُ إحدى المعلمات الغاضبات: «عمرَينها».