«الدور الكبير الذي يمكن أن تؤدّيه بكركي لا يقتصر فقط على توحيد المسيحيين، بل يشمل أيضاً توحيد اللبنانيين ككلّ، وهذا الدور ليس بجديد بل لعبه الصرح البطريركي على مرّ التاريخ، والنماذج على ذلك كثيرة»، هذا ما أكّده مصدر كنسي بارز لدى سؤاله عن الدور الذي يمكن أن يلعبه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الوقت الراهن لا سيما بعد «إعلان النوايا» الذي تمّ التوافق عليه بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع.
فالبطريرك الراعي تسلّم هذا الإعلان من مهندسيه النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي، وباركه رسمياً واحتضنه مسيحياً انطلاقاً من كونه راعي الطائفة المسيحية والمدافع عن أبنائها وحقوقهم. ويريد غبطته بالطبع رؤية المسيحيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية مجتمعين، وموحّدي الموقف والكلمة أو على الأقلّ ألا تؤدّي الخلافات القائمة فيما بينهم الى حروب ومعارك عسكرية بعد اليوم. ولهذا يُحبّذ ويُشجّع غبطته، على ما يقول المصدر نفسه، على إشراك الأطراف المسيحية الأخرى، وغير المسيحية في «إعلان النوايا» هذا، بهدف التوصّل الى اتفاق بين كلّ شرائح المجتمع، يؤدّي الى حلّ الأزمات التي يعاني منها الوطن.
ويؤكّد بأنّ بكركي قادرة على جمع الشمل، وهي لا تُقصّر متى وجدت أنّه عليها التدخّل والحسم، ودعوات البطريرك الراعي المستمرّة في إطار انتخاب رئيس للجمهورية، دليل ملموس على ذلك، شرط أن يكون لدى الجميع النوايا الحسنة، والسعي الفعلي للحوار والتوافق بعيداً عن تأثير الضغوطات الخارجية على هذا الفريق أو ذاك. وما «إعلان النوايا»، بحسب المصدر الكنسي، سوى جواب واضح على نداءات الراعي المتكرّرة، على أمل إشراك الجميع فيه.
الخطوة الأولى أنجزها عون وجعجع، وعلى كلّ من لم يُصدّق مشهد التلاقي بين الرجلين، أن يقوم بتثبيته عن طريق الإنضمام الى الصفّ المسيحي، وعدم السماح مجدّداً لأي خلاف بأن يتوسّع الى درجة الإقتتال. فالمسيحيون الذين كانوا أساس نشأة لبنان، باتوا اليوم من الأقليات، يضيف المصدر، وهذا الأمر يجب أن يحزّ في نفوس الجميع، لا سيما القادة المسيحيين الذين إذا ما اتفقوا ينعكس هذا الأمر اتفاقاً في الشارع المسيحي ككلّ.
صحيح أنّ سيّد بكركي أعطى بركته، وهو يُبارك كلّ الخطوات الإيجابية التي تصبّ في مصلحة الوطن والمواطنين، لكنّ المسيحيين يودّون اليوم رؤية البطريرك الراعي يقوم مجدّداً بجمع الأقطاب الأربعة في الصرح البطريركي، لا سيما بعد التوافق الأخير الذي حصل بين عون وجعجع ويُمهّد لمستقبل أفضل للمسيحيين، بحسب بعض المراقبين، ولهذا ينتظرون قيام الراعي (وغبطته أدرى بما عليه القيام به) بهذه المبادرة ودعــوة الأقـــطاب لتثبيت الموقف المسيحي من النقاط الأساسية التي نصّ عليها «إعلان النوايا». ويتطلّب الأمر، بحسب هؤلاء، مبادرة بكركي الى إشراك كلّ من «الكتائب اللبنانية» و«المردة» و«الوطنيين الأحرار» وسواها من الأحزاب المسيحية في هذا الإعلان، اختصاراً للوقت وتسهيلاً للمهمة التي ينوي كلّ من كنعان والرياشي القيام بها.
فمن حيث العناوين العريضة، يبدو أنّ الكتائب والمردة، على ما ترى مصادر مسيحية على تماس ممّا نصّ عليه «إعلان النيّات أو النوايا»، وقد يعترض أحد الحزبين على بعض التفاصيل، إلاّ أنّ المطلوب اليوم عدم إضاعة فرصة التلاقي المسيحي الفعلي بابتداع خلافات من نوع آخر مثل: «لماذا لم يتمّ إشراك الأطراف المسيحية الأخرى بالإعلان قبل الإتفاق النهائي على بنوده الـ 16»؟ أو «لماذا يعتبر التيّار والقوّات أو عون وجعجع بأنّهما أكبر مكوّنين مسيحيين دون سواهما»، وقد جاء الإعتراض على هذا التوصيف على لسان بعض الكتائبيين. غير أنّه لا يجب التوقّف عند مثل هذه الخلافات إذا ما كانت كلّ الأطراف المسيحية تريد فعلاً إعادة الدور المسيحي الى سابق عهده، وعدم تفويت فرصة التوافق على الرئيس الجديد للبلاد.
وفيما يتعلّق بموضوع إجراء الإستفتاء حول من يريد الشعب اللبناني رئيساً لجمهوريته، فإنّ هذا الأمر قد يوافق عليه الجميع تقول المصادر، وهو لا يتعارض مع الدستور لأنّه قد يُسهّل مهمة الانتخاب على جميع الأطراف، خصوصاً وأنّ بالإمكان اعتباره شبيهاً بالإحصاءات لكنّه أكثر جدية منها. ويمكن على أساسه، بحسب المراقبين، استطلاع الرأي العام حول رأيه برئيس الجمهورية.
كما أنّ ترجمة «إعلان النوايا» التي بدأت بزيارة القيادات المسيحية والروحية والحلفاء، وستستكمل لاحقاً مع القواعد الشعبية مع الطلاب والنقابات والمجتمع المدني، يجب أن تطال أيضاً الأفرقاء الآخرين في الوطن. وعلى الحملة ألاّ تتوقّف سوى بحسب المصادر، بالوصول الى توافق الجميع على إنهاض البلد من كبوته، وتحقيق مستقبل أفضل للأجيال الصاعدة. واليوم التاريخي الذي شهدته الرابية بلقاء عون- جعجع لا يجب أن يخفّ بريقه لا سيما وأنّ القطبين المسيحيين قد اتفقا على طيّ صفحة الماضي وعدم العودة مطلقاً الى نكء الجراح بل بالمضي قُدماً نحو إعادة الحقوق المسلوبة من المسيحيين، والعمل من أجل مستقبل أفضل ملؤه الإزدهار والتطوّر والتوافق بين كلّ مكوّنات المجتمع.
يبقى أنّه على كلّ من الكتائب والمردة ملاقاة الطرفين المسيحيين الآخرين الى منتصف الطريق، والتعبير بصراحة عن رأيهما في بنود «إعلان النوايا»، علّ بالإمكان تعديل ما يجب تعديله قبل مشاركة الجميع به في أسرع وقت ممكن.