على وقع قرقعة الطبول الانتخابية في بيروت، التي تطوي خلال الساعات الاربع والعشرين المقبلة محطتها الثانية مع اقفال باب تسجيل اللوائح،في انتظار المنازلة الكبرى ، ثمة كثيرون من يعتقدون ان الاستحقاق لن يتم، مستندين الى العرقلة الاقليمية – الدولية الحاصلة، والمرشحة لمزيد من التصعيد مع اكتمال مشهد عسكرة الادارة الترامبية ،ولو بتاخير سنة،والتي قد تجد صداها في «الحشرة» الداخلية التي يعاني منهارئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فالانطباع العام الذي يشكله المحللون في ظل التغييرات النوعية الحاصلة على مستوى فريق عمل الرئيس دونالد ترامب، وما يرافقها من تحركات «ميدانية» اميركية في دول المنطقة الحليفة، يدفع الى الاعتقاد بوجود قرار واضح بتغيير توازن القوى الموجود حاليا ،والذي استفادت منه كل من روسيا وايران وحلفائهما، في توقيت لافت اعقب سلسلة لقاءات اميركية – سعودية قيل ان هدفها الاول «التصدي للدور الايراني في المنطقة»، وسط تصعيد ممنهج ومتدرج، لم تعد اوروبا بعيدة عن الالتحاق به، ازاء طهران ببرنامجيها النووي والصاروخي.
حيث تكشف تقارير دبلوماسية وصلت الى بيروت، اتفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقائهما في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي ، على خطط لتسريع عملية نقل قاعدة «العديد» التي تشغلها القيادة المركزية الأميركية والتي تضم 10 آلاف جندي أميركي في قطر إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية الواقعة في محافظة الخرج، 70 كيلومتراً جنوب الرياض، مع ما يعنيه ذلك من ابعاد تتعدى نطاق العلاقات الأميركية-السعودية بأشواط ،لتطال الشرق الأوسط ككل، تزامنا مع الاستعدادات لاخلاء قاعدة انجرليك جنوب تركيا، إلى قواعد في شرق أوروبا، فيما يدرس الكونغرس إمكانية اعتماد قاعدة أندرافيدا في جنوب اليونان كبديلة.
واقع قرأ فيه المتابعون رسالة واضحة لمن يعنيهم الامر ،تفيد بأنّ إدارة ترامب تدعم السعودية، يترتب عن نقل القاعدتيْن الأميركيتيْن الكبيرتيْن تداعيات على الشرق الأوسط،حيث شكّلت قاعدة العديد المركز الرئيسي للقوات الأميركية في الخليج العربي قبل 15 عاماً، إذ ضمّت أكثر من 60000 جندي أميركي، قبل ان تصر القيادة السعودية على إخلائها عندما غزت الولايات المتحدة العراق.
ويشير المتابعون الى ان اعادة الانتشار العسكري الاميركي لا يمكن ان تكون ذات معاني سياسية فقط، بل لها طبيعة عسكرية ،مع اقترابها من مسرح العمليات المتوقع في سوريا ولبنان وان بدرجات مختلفة، كاشفين ان مناورة الخداع التي نفذها الاميركيون منذ ايام ،واوقعت الجانب الروسي في خطأ التقدير، شكلت «بروفا» لعملية الانتشار البحري التي تعتزم واشنطن تنفيذها مع اقتراب ساعة الصفر.
يعزز هذا الاعتقاد وصول كل من «مايك بامبيو» ،المدير السابق للاستخبارات الاميركية الى وزارة الخارجية، وتعيين جون بولتون مستشارا للامن القومي بدلا من ماكماستر، حيث يعرف عن الاثنين توجههما المتشدد جدا واعتبارهما ان الحل الفعال في المسالتين الايرانية والكورية لن يكون الا بواسطة القوة العسكرية،اذ كتب بولتون مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز»، خلال مناقشة الإتفاق النووي مع إيران، شجب فيه المحادثات، معنونا «لكي توقف قنبلة إيران.. اقصف إيران»… موقف كرره أكثر من مرّة خلال مقابلات وتعليقات تلفزيونيّة.
كل هذه المؤشرات تحمل على الاعتقاد ان المنطقة قادمة على ربيع وصيف حارين جدا ، قد تكون ساحتهما سوريا ولبنان، حيث تكشف التقارير ان المجموعة البحرية الاميركية التي دخلت ميناء حيفا للمشاركة في مناورات «جينيفر كوبرا» لا تزال موجودة قبالة السواحل الاسرائيلية،وكذلك بطاريات الصواريخ المضادة التي تم نصبها على الاراضي الاسرائيلية، حيث يميل الاعتقاد الى ان استخدامها سيكون لحماية الطائرات الاسرائيلية والاميركية من اي صواريخ مضادة قد تعترضها خلال تنفيذ مهامها فوق سوريا.
ازاء هذا التصعيد ،تحدثت اوساط سياسية زارت العاصمة الفرنسية، عن مسعى سري تقوم به المخابرات الفرنسية على خط واشنطن-طهران لتجنيب المنطقة كارثة جديدة ، حيث تم نقل مبادرة واضحة النقاط على ان تقدم الجمهورية الاسلامية ردها عليها قبل اول ايار،كشفت خطوطها العامة التي تقوم على تشكيل لجان مشتركة لبحث الملفات الاساسية الثلاث: اولا،الاتفاق النووي لاعادة صياغة بعض بنوده بما يؤمن ضمانات افعل،ثانيا، البرنامج الباليستي للفصل بين الضروري منه للامن القومي الايراني والفائض كالصواريخ البعيدة المدى،وثالثا، سياسة ايران الاقليمية ودورها في دول المنطقة،خصوصا اذرعها العسكرية.
وفي هذا الاطار كشفت معلومات من واشنطن عن ان السفير بولتون ابلغ احدى الشخصيات التي اتصلت به مهنئة، ان ملف لبنان سيحظى باهتمامه الخاص، وانه سيكون على طاولة النقاش في البيت الابيض، وانه لن يسمح لمحور المانعة ان يحكم السيطرة على مؤسساته، متحدثا عن استمرار الدعم «رغم بعض المآخذ» مستدركا بان الوقت لا يزال مبكرا لكشف تفاصيل آليات التعامل مع لبنان وحكومته، في ظل قرار المواجهة المنتظر مع طهران وحلفائها وفي مقدمتهم حزب الله، مذكرا بالاخطاء التي واكبت ثورة الارز والتي ادت الى وصول الاوضاع لما وصلت اليه، مطمئنا الى انه سيكون الى جانب لبنان في مجلس الامن القومي كما كان في مجلس الامن.
اذا صدقت التوقعات واجلت الانتخابات نتيجة ظروف قاهرة ،على ما يسرب، تجمع القراءات على ان الانتخابات المقبلة بعدها لن تكون وفق للقانون الحالي ،ذلك ان توازنات جديدة ستولد من رحم الاحداث الدراماتيكية القادمة ،سواء قبل السادس من ايار او بعده.