قراءات كثيرة لوقف “عاصفة الحزم” وما اذا كانت حققت أهدافها او بعضا منها، او فشلت وخسرت معها المملكة العربية السعودية. انه اعلام الحرب، والدعاية السياسية التي غالبا ما تحاول التعمية على الحقيقة.
ثمة ميزان لقياس الربح والخسارة. الخاسر بالتأكيد هو الشعب اليمني الذي يموت كل يوم، وتدمر بلاده، كما الشعب السوري تماما، وكما عاش الشعب اللبناني حروب الآخرين على ارضه طوال خمسة عشر عاما، قبل ان تتفق دول خارجية على رسم طريق الحل في “اتفاق الطائف”، فتسلم الدفة لدمشق، التي انقلب المجتمع الدولي عليها لاحقا لتخرج قواتها ذليلة من لبنان في 25 نيسان العام 2005، اي قبل عشر سنوات تماما، وليواصل المجتمع الدولي معاقبتها منذ العام 2011.
في مقياس الربح، حققت السعودية الشيء الكثير في “عاصفتها”. اعادت رسم الخريطة السياسية في المنطقة، مذكرة بأنها لاعب اقليمي لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات تقودها واشنطن، سواء مع ايران او مع اي دولة اخرى. كما لا يمكن تجاوزها في اي ملف عربي، سواء في مصر او سوريا او البحرين او اليمن او لبنان. وأكدت ان عهدها الجديد لن يكون حيادياً ومتردداً في التدخل بالقضايا العربية، ولن يكتفي بمدّ دول او مجموعات بالمال. وهي بذلك حققت ما تصبو اليه.
عسكريا، دمرت “عاصفة الحزم” كل السلاح الثقيل الذي كان في حوزة جيش علي عبدالله صالح والحوثيين، وما زالت صنعاء تعيش ارتدادات هزات ارضية احدثها تفجير صواريخ مخزنة في مستودعات تحت الارض. وما وصول بارجات حربية اميركية الا رسم حدود جديدة لإيران في سياستها التوسعية، وجعلها تميز ما بين الوضع في اليمن والوضع في سوريا. وهكذا كانت ايران من اولى الدول المرحبة بوقف الحرب، تلك الحرب التي لن تتوقف عمليا اذا ما بان سلاح ثقيل لا يبيحه مجلس الامن الذي أصدر قراراً تحت الفصل السابع يتيح معاودة القصف في اي وقت.
وهكذا بدت طهران أيضاً أكثر واقعية، اذ انها ارتضت البحث في حل سياسي، كمؤشر الى تقدم مفاوضاتها مع واشنطن، على رغم بعض الضباب الكلامي في تصريحات مسؤولين ايرانيين.
وهذه الواقعية، إلى مسيرة الحل السياسي، قد تنعكسان على دول كثيرة وملفات عالقة في المنطقة قبل اليمن، الذي قد تتحول الحرب فيه اقتتالاً داخلياً يدوم لسنوات. ومن ابرز الدول لبناننا الذي يحتاج، على ما قال رئيس الحكومة تمام سلام الثلثاء في مؤتمر تربوي الى “أن نعرف، أن أيا من قوانا السياسية غير قادر أن يغيّر، ولو قيد أنملة، في مآلات الأحداث الهائلة الجارية في المحيط، وأن أي فريق لن ينجح وحده، وبمعزل عن الآخرين، في صياغة مسار البلد ومصيره، وأن أي طرف لن يتمكن من إدارة شؤوننا الداخلية بالفرض والإلغاء وبعيداً من التوافق”.