في المبدأ يصحّ وصف حركة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بأنها بركة، لكن في الترجمة العملية يبدو الراعي مُربَكاً لا يستطيع لعب دور أساسي ومؤثر في ملء الفراغ الرئاسي، بفعل تضارب المصالح الداخلية وتشابكها مع أحداث المنطقة، وكلّ ذلك يؤدي الى إطالة أمد الفراغ، ما دام المعطِّلون لا يريدون العودة الى منطق التسوية.
على يمين الراعي حوار «قواتي» – «عوني» همَّش دور الكنيسة، وأفقدها المبادرة، بحيث بدا أنّ انتخاب رئيس الجمهورية لن يمرّ إلّا إذا اتفق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وهذا ما أزعج الراعي الذي طلب مرات عدة من المتحاورين البدء بالكلام عن الاستحقاق الرئاسي بلا جدوى.
أما امام البطريرك فتبدو الامور مقفلة الى درجة لا ينفع معها القيام بمبادرات، إلّا إذا قرّر إطلاق مبادرة من نوع آخر، تخرق الجمود المرشَح للاستمرار، لكنّ ذلك قد يُعيد بالذكرى الى نهاية الثمانينات حيث أيّد البطريرك مار نصرالله بطرس صفير «إتفاق الطائف»، وانتخاب الرئيس رينيه معوض، ما أدّى الى اصطدام مع عون، تُوّج بالاعتداء الشخصي على صفير في بكركي.
ويبقى السؤال هل سيعيد الراعي إحياء مبادرة تضع الكنيسة على طاولة اللاعبين المؤثرين في الاستحقاق؟ أم انه سيكتفي بإطلاق الدعوات الموسمية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وهل سيسمّي البطريرك في وضوح المعرقلين المستعدّين لاطالة أمد الفراغ حتى لو لم يبقَ من أثر لموقع الرئاسة، ولا لـ»الطائف»؟
ما يفترض أن تقوم به بكركي في هذا الاطار واضح. فالمطلوب الاعلان عن دعم رئيس تسوية في لبنان، لنزع فتيل التعطيل، وإعادة تصويب البوصلة، بحيث تسحب ذريعة التعطيل من فريق مسيحي، وتوضع الانتخابات على طاولة نقاش وطني جامع، على قاعدة أنّ الكنيسة تطلق موقفاً جازماً في دعم رئيس التسوية، وهو بدوره يؤدّي الى اطلاق عجلة الدعم الدولي والعربي، استناداً الى موقف أعلى مرجعية مسيحية في لبنان.
الواضح أنّ الراعي يخشى تكرار تجربة صفير، فهو الى الآن يُغلّب منطق عدم الاصطدام مع المُعَطِّلين، على مَنطق انتاج مبادرة بطريركية يُبنى عليها للخروج من الفراغ، واذا استمر موقف الكنيسة على حاله، أيْ على قاعدة «صفر مشكلات» مع مختلف الاطراف، فإنّ امد الفراغ مرشحٌ لأن يطول، في ظلّ الغياب الفعلي للكنيسة عن استعمال أدوات الضغط التي تملكها، وهي كثيرة.
في الامس تواصل الراعي مع ممثلة الامين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ، ومع سفراء الدول الكبرى وطلب الاجتماع بهم، وتقول المعلومات إنّ الراعي حضّ السفراء على العمل لدى دولهم للضغط على الاطراف المؤثرين في المنطقة للمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية.
وتضيف المعلومات أنّ الراعي طلب تحديداً من السفراء العمل على الطلب من السعودية وايران تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية، في اعتبار أنّ هاتين الدولتين تملكان التأثير الكافي لحضّ الاطراف المؤيدين في لبنان على انتخاب الرئيس.
هل تكفي هذه الخطوة لتحريك الجهود لملء الفراغ الرئاسي؟
على الارجح أنها لا تكفي، لأنّ كلّ الجهود التي بذلت سابقاً، وتحديداً من الجانب الفرنسي في اتجاه ايران، أثبتت فشلها، حتى إنّ موفد الرئيس الفرنسي فوجئ في زيارته الأخيرة لطهران بأنّ ايران «تتلاعب» بالمبادرة الفرنسية، وتترك لحزب الله في الداخل الهامش الكافي للسير وراء ترشيح عون حتى النهاية، وهو ما يعني رفض الرئيس التوافقي او التسووي، ووقف الاتصالات لانتخاب الرئيس في النقطة الصفر، في اعتبار أنّ مَن يعطل هذا الانتخاب ومَن يرفض رئيس التسوية باتا معروفَين، في حين سبق للطرف الآخر، أيْ قوى «14 آذار»، أن بادرت بعد ترشيح جعجع الى الاستعداد لاتفاق تسوية على الرئيس ولم تلقَ آذاناً صاغية.