Site icon IMLebanon

هل يفعلها الراعي؟

بعد تسعة أشهر من التعطيل في الانتخابات الرئاسية لا تزال الكنيسة المارونية على حيائها في وضع الاصبع على الجرح، وفي تسمية المعطّلين خصوصاً المسيحيين منهم بالاسم، وهذا يفترض تحديدَ المسؤولية والذهاب في اتجاه تحميل المعطّلين وزرَ الفراغ بعد أن حُدِدت عشرات الجلسات لانتخاب الرئيس في غياب أكبر كتلة نيابية مسيحية.

يتساءل البعض ما إذا كان البطريرك بشارة الراعي قد اخطأ عندما جمع القادة الموارنة الاربعة مراراً، لمحاولة إنتاج توافق فيما بينهم على اسم مقبول للرئاسة، فتلك الاجتماعات أدّت عملياً الى تحميل المسيحيين مسؤولية الفراغ، والى وضع الرئاسة في خانة هذا التوافق الذي لم يحصل، والذي لا يُتوقَع أن يحصل في المدى القريب.

أدّت تلك الاجتماعات الى توافق غير حقيقي على حضور جلسات الانتخاب، وتعهّد الجميع بالحضور، غير أنّ البطريرك فوجئ بأنّ مَن تعهّدوا الحضور، نكثوا بالوعد، ولم يلتزموا بما قالوه علناً في صالون الصرح، وبما دوّنته محاضر الاجتماعات المكتوبة، وكانت هذه صدمة للبطريرك الذي اعتقد أنّ بإمكانه من خلال قوة حضوره المعنوي، أن يفرضَ على القادة المسيحيين الالتزام بمنع الفراغ الرئاسي، خلافاً لما لم يستطع سلفه البطريرك صفير القيامَ به مراراً.

وازاءَ هذا التعطيل لم يبادر البطريرك الراعي الى تسمية الاشياء بأسمائها، بل ذهب الى تعميم تحميل المسؤولية للجميع، بمَن فيهم المشاركون في كلّ الجلسات النيابية، وهذا في حدِّ ذاته يعكس عجزاً، لا تستطيع الكنيسة الاستمرارَ به طويلاً، في ظلّ الفراغ المرشَح لأن يطول الى آجالٍ غير معروفة، بفعل غياب أيّ مبادرة دولية أو عربية، وبفعل تمسّك المعطّلين بالتعطيل، حتى الإتيان برئيس من لون واحد.

بالأمس اقترب البطريرك الراعي كثيراً من تحديد المسؤوليات عندما حمّل المسؤولية الى الفريق الذي يمتنع عن حضور الجلسات، لكنّ ذلك لا يشكّل إلّا الخطوة الاولى، باعتبار أنّ هؤلاء المقاطعين لا يزالون على علاقة ممتازة مع الصرح البطريركي، الذي يحرص على استقبالهم، متجاوِزاً أنهم مسؤولون عن الفراغ الرئاسي، وعن تهديد الموقع الاوّل للمسيحيين في الدولة، وهذا أمرٌ يترك آثاراً سلبية على الموقع تساهم بإضعافه، وتعريته، في ظلّ استمرار عمل المؤسسات، متعايشة مع الفراغ، الذي لم تحرّك الكنيسة في مواجهته أيّاً من عناصر القوة والتأثير التي تملك وهي المعروفة بقدرتها على تحريك المؤسسات الاهلية من خلال الاكليروس والرهبانيات والمؤسسات الكنسية.

كلّ ما فعله البطريرك الراعي بعد تسعة أشهر من الفراغ، هو حثّ التيار العوني والقوات على البدء بحوار حول انتخابات الرئاسة، فيما هو يدرك أنّ هذا الحوار لن يؤدّي الى نتيجة، في ظلّ تمسك العماد ميشال عون بترشيحه، وهذا الحوار بات يثير حساسية لدى البطريرك الراعي لكونه أصبح غطاءً يتلطّى عون خلفه للتملّص من المشارَكة في الجلسات الانتخابية، هذا في وقت ينزع الدكتور سمير جعجع عن نفسه مسؤولية التعطيل، باعتبار أنّ كتلة القوات وحلفاءها شاركوا وسوف يشاركون في كلّ الجلسات المخصَّصة لانتخاب الرئيس، وكان البطريرك الراعي في سياقٍ آخر قد طلب من حزب الله الضغط على عون ليشارك في انتخاب الرئيس، ليلقى جواباً مفاده أنّ الامر متروك للعماد عون الذي يقرّر وحده ما يفعل في هذا الاطار.

يبقى السؤال بعد اشهر التعطيل الطويلة: هل ينتقل البطريرك الراعي الى مواجهة المعطّلين، قبل أن يصبح التعطيل عرفاً، يمهّد للدخول في متاهات تعديل الدستور، والصراع على الصلاحيات، واعادة تحديد الأحجام داخل النظام، وهو الأمر الذي لا يصبّ في مصلحة المسيحيين، باعتبار أنّ الطائف ضمن المناصفة، والكثير من المكاسب في مواقع الدولة؟ وهل سيقرّر الراعي خوضَ معركة انتخاب الرئيس، قبل أن يخسر المسيحيون آخر ما تبقّى لهم في دولة الطائف.