بعد الدعوة التي وجَّهتها أخيراً قوى قريبة من فريق «8 آذار» إلى خصومها في فريق «14 آذار»، والمتمثلة بالمبادرة إلى زيارة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ومحاورته للاتفاق على رئيس الجمهورية العتيد، وبعد إعلان النائب جورج عدوان أمس أنّ «مبادرة «14 آذار» الرئاسية ستُفعّل في الأيام المقبلة وستعقد لقاءات، ربما بعيدة عن الإعلام، وستستمرّ لتحريك عجلة رئاسة الجمهورية»، سرَت في الأوساط والكواليس السياسية تكهنات عن المبادرة المنتظرة وعن فكرة توجّه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع إلى الرابية، في اعتبار أنّ هذه المبادرة ستكون الأقوى لوضع حدٍّ للشغور الرئاسي.
علماً أن اللقاء الثنائي الأخير الذي جمع جعجع بعون كان العام 2011 عندما زار رئيس «القوات» عون لتعزيته بشقيقه «أبو نعيم»… الأمر الذي لم يبادله عون بالمثل عند وفاة فريد جعجع والد الحكيم. إلّا أن قواتيين اعتبروا في مجالسهم أن هذه الخطوة لو تمت، وهي لن تتم في نظرهم، فستعتبر ضعفاً لدى الحكيم وتنازلاً.
في المقلب الآخر، قرأ آخرون الخطوة، في حال حصولها، بأنها إيجابية جداً وخصوصاً أنّ الحكيم كان الزعيم اللبناني الوحيد الذي تفرّد بمبادرة شجاعة عندما اعتذر أمام اللبنانيين وعلناً، لدى خروجه من السجن. وهذا الاعتذار، تكرّر أيضاً بعد أحداث دامية في شمال لبنان على خلفية استشهاد اثنين من «القواتيين» وآخرَين من تيار «المردة» إثر خروجه.
كذلك تكرر عندما أثارت محطة الـOTV قضية مجرزة إهدن، ما «زكزك» الرأي العام المسيحي، فلم تصبّ تلك الحملات في مصلحة جعجع يومها! إلاّ أن هذا الوضع كان سابقاً، فيما الوضع الحالي، وتحديداً المسيحي، قد تبدّل، وهو متأرجح حسب «القطعة» والمواقف.
أما عن زيارة جعجع الرابية، فتفنّد أوساط سياسية متابعة موانع عدة لها أبرزها:
1 – إستكمال عون سياسة الإلغاء التي شُنّت على «القوات»، وظهّرت التفاف عون عليها من خلال فتحه قنوات للحوارات الرئاسية مع تيار «المستقبل».
2 – نكوث عون باتفاق بكركي الذي تضمّن تعهد الأطراف المسيحية تأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
3 – لجوء النواب العونيين للزجّ بأسماء شهداء اتهم جعجع بالوقوف وراء استشهادهم في أول جلسة انتخابية، ليعلّق جعجع، بحسب القريبين منه على الأمر بقوله حرفياً: «إذا كان هناك احتمال للمصالحة، فقد نسف عون تلك المصالحة بتصرّفه ونوّابه في الجلسة الانتخابية الأولى».
4 – انعدام ثقة جعجع بعون نتيجة التجارب السابقة.
5 – استمرار عون في سياساته التجييشية وتحالفه مع «حزب الله» وعدم إعلانه حتى الآن موقفاً صريحاً من النظام السوري.
6 – دعم عون «الدويلة» على حساب الدولة.
وفي المقابل، تقول الأوساط نفسها: «إننا يمكننا توقّع اللامعهود، إذ لا شيء مستحيلاً بالنسبة إلى رئيس حزب «القوات اللبنانية»، وإن الأسباب التي قد تدفعه إلى زيارة عون قد تستوجبها في نظره موجبات عدّة:
1 – الخطر الوجودي والكياني الذي يتهدّد المسيحيين الذين أثبت جعجع أنه جعلهم أولوية في كل مراحل حياته السياسية.
2 – تفرُّد جعجع بخطوة متميزة وجريئة، كتلك التي فاجأ بها الجمهور اللبناني عند الاعتذار، وذلك لاستشرافه خطراً وجودياً يتهدد المسيحيين ولإنقاذ ما تبقى من كرسي رئاسة الجمهورية وهيبتها.
3 – لملمة الشارع المسيحي الحذِر تداركاً لخطورة إدخاله في غياهب النزاعات الدموية، وخصوصاً أن «القوات» عمدت إلى تبريد الأجواء في الشمال المسيحي مع «المردة»، بعد لقاءات التقريب التي انعقدت أخيراً بين «المردة» و«القوات» على المستويين الشبابي والقيادي، والتي لم تعد مخفية على أحد.
علماً أن النزاع الدموي المتأصل بين الجانبين ليس موجوداً على رغم «حرب الإلغاء» ومحاولة بعضهم مقاربتها مع حرب «القوات» و«المردة» بطريقة غير صحيحة.
4 – الحُنكة السياسية التي طالما اتصف بها جعجع، والتي قد يرتأي أن وقت استخدامها قد حان اليوم!
5 – ضغط الشارع المسيحي الحادّ المتصاعد يومياً مطالباً قادته بالتوحد للخروج برؤية قوية جامعة لاجتياز المرحلة «الداعشية» الخطرة.
إلّا أن بعضهم يتساءل: أوليس الأجدى بمن يريد الرئاسة بشدة أن يبادر شخصياً، إذ إنه هو الذي يحتاجها أكثر، وهو الذي يحتاج إلى دعم جعجع للوصول إلى بعبدا، وليس العكس، لكن… هل يفعلها عون ويزور معراب؟
هذا هو السؤال الصعب، إنما الإجابة عنه ليست مستحيلة، لأن، وبحسب الإستطلاعات حول المبادرات السياسية غير المتوقعة، فإن عون يسجل بها أهدافاً متقدّمة فداءً للكرسي الرئاسي وإكراماً للمسيحيين ولهيبة رئاسة الجمهورية.