Site icon IMLebanon

هل يفعلها الجنرال؟

تشكل الذكرى الحادية عشرة لانطلاقة تجمع 14آذار محطة مفصلية دالة على انهيار هذه المنظومة، لا «ساحة» ولا «قاعة» تجمع هؤلاء اصبح هذا «المشروع» السياسي مجرد «فكرة» يتسلى بتردادها بعض منظري هذا الفريق فيما السؤال الجدي المطروح، الى اين؟ طبعا حزب الله اكثر المستفيدين من ضعف «خصومه»، تيار المستقبل اكبر الخاسرين، فيما تبدو الفرصة سانحة لرئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون لاقتناص الفرصة. فكيف ذلك؟

طبعا لا يملك قادة «ثورة الارز» اي جواب، فشلهم في «الصمود»، شكل صدمة للرعاة الاقليميين على وجه الخصوص، المملكة العربية السعودية «اليائسة» عبرت عن غضبها بسلسلة اجراءات «عقابية» زادت من ضعف هؤلاء، وفي مقدمتهم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي فشل بخلق دينامية جدية للمواجهة مع الحزب، التلاشي القياسي لـ «وهج» عودته الى لبنان، زاد الامور تعقيدا، والمفارقة بحسب اوساط قيادية في 8 آذار، ان حزب الله «وخصوم» زعيم تيار المستقبل لم يبذلوا اي جهد او عناء لافراغ هذه العودة من مضمونها، فـ «الصفعة» اتت من حيث لا يحتسب، عندما احرجته المملكة العربية السعودية بتصعيدها «العشوائي» الذي لم يستهدف الحزب فقط، وانما طال الساحة اللبنانية على مختلف مستوياتها الامنية والسياسية والرسمية، مما افقد الحريري «عدة» الشغل المفترضة لهذه العودة الميمونة، هو عمليا لم يستطع مواكبة التصعيد الخليجي، لانه لا يملك القدرة على ذلك…

اما الفشل المدوي، فيتمثل بانهيار جهوده منذ عودته للاستقرار في بيروت قبل نحو شهر في توحيد صفوف قوى 14آذار قبيل الذكرى الحادية عشرة على انطلاقتها، ما ادى تلقائيا لإلغاء المظاهر الاحتفالية بالمناسبة وهي المرة الأولى التي تمر فيها الذكرى من دون أن يكون هناك احتفالية في «القاعة» بعد سنوات على انسحاب هذه القوة من «الساحة»، اي الغاء المهرجانات الشعبية بالمناسبة. الحريري فشل في استنهاض «همم» حلفائه وتوحيد صفوفهم، التنسيق بين القيادات الرئيسية تلاشى، الرأي العام المنتمي إلى هذا المشروع «محبط» ومنقسم على نفسه وسط شكوك كبيرة تعاظمت اثر انقلاب الحريري على حلفائه رئاسيا، اما الاكثر تعبيرا عن «الفشل» فقول النائب مروان حمادة ان المهم في مشروع 14 آذار انه «لجم حزب الله حتى الآن ومنعه من اجتياح لبنان واكتساح مؤسساته»، كلمات تعبر عن ضحالة فكرية، بحسب الاوساط، وصلت الى حد تخايل مواجهة «دونكيشوتية» غير موجودة مع «طواحين الهواء»، وهي معركة وهمية لم يعد حتى جمهور 14 آذار يعيرها اي اهتمام في ظل انتقال المواجهة الجدية الى داخل «البيت» في ظل التوتر القائم بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية على خلفية الأزمة الرئاسية.

والمفارقة في هذا السياق، ان دعوة الحريري حلفاءه في ذكرى 14 شباط للقيام بمراجعات نقدية داخلية لتصويب المسار والعودة الى مبادىء «ثورة الارز» لم تترجم على ارض الواقع، ولم تجد «آذانا» صاغية عند اي من قادة هذه القوى، وعلى العكس من ذلك «استفز» الحريري هؤلاء بإعطاء الأولوية لـ «لملمة» صفوف الطائفة السنية، في ظل الضعف البنيوي الذي اصاب تيار المستقبل، ومبادرته الى عقد لقاءات مع قيادات سنية في فريق 8 آذار،لعقد تفاهمات يامل ان تجري ترجمتها في الانتخابات البلدية، اثارت استياء من تبقى من «قيادات» «ثورة الارز» المسيحيين، فيما تامل السعودية ان تتوسع قاعدة هذه التفاهمات لوضع كافة القيادات السنية تحت «جناحها»، وهي مهمة «صعبة» يدرك الحريري انها ستكون على حساب «حظوته» في المملكة، لكنه لا يملك اي خيارات.

امام هذه المعطيات، ثمة فرصة سانحة سيحاول رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون «اقتناصها» اليوم عبر اعادة تصويب النقاش في البلد حول مسار المعركة الرئاسية مستفيدا من زخم لقاء معراب الذي تبنّى فيه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيحه، هو ينطلق من قاعدة شعبية واسعة متحصنا بأغلبية مسيحية واسعة وبميثاقية كبيرة من الصعب على احد تجاوزها، وسيكون شعار معركته المفتوحة هو ان المسيحيين لن يقبلوا بعد اليوم ان يختار الاخرون رئيسهم، وهو بذلك قادر على استعادة «حقوقه الحصرية» «بفكرة» 14 آذار…

وفي هذا السياق تعتقد تلك الاوساط، ان «الجنرال» قادر على تصويب النقاش حول معضلة رئاسة الجمهورية، وهو امام فرصة حقيقية لوضع الامور في نصابها، من خلال التأكيد ان مشكلة الحريري مع المسيحيين وليست مع حزب الله في الملف الرئاسي، وهو من يقف عائقا امام شبه اجماع مسيحي على ترشيحه لهذا المنصب، فبعد التوافق مع القوات اللبنانية على هذه المسألة، سقطت من «يد» زعيم المستقبل الحجة التي كان يتحجج بها لعدم دعم ترشيح «الجنرال»، عندما قال يوما ان عليه اولا اقناع مسيحيي 14 آذار بالترشيح، وعندما حصل ما كان يعتبره الحريري مستحيل التحقق، نكس بوعده، ودخل في «لعبة» سماها تنازلا لانقاذ البلاد بعد تبنيه ترشح الوزير سليمان فرنجية، ولكنه واقعا يخوض معركة اضعاف المسيحيين، خوفا من استعادتهم «حقوقهم» الدستورية المسلوبة في اتفاق الطائف بعد ان «هيمن» عليها المكون السني، ولذلك لا يريد الحريري وصول رئيس مسيحي قوي الى قصر بعبدا، وهو غير مكترث بالابعاد السياسية او الاستراتيجية المرتبطة بالهوية السياسية للرئيس العتيد، وهذا ما يفسر قبوله بـ «زعيم» المردة رغم علاقته العضوية بالنظام السوري وحزب الله، وهو حتى اليوم لا يملك اجابة مقنعة على سؤال يستمر الكثيرون بترداده، لماذا فرنجية وليس عون؟

في هذا الوقت يبدو «حزب الله» بعيدا عن اي ضغوط جدية على المستوى الداخلي، تضيف الاوساط الحريري فشل في حشره في اي من الملفات، ومنها طبعا مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الحزب مرتاح في ضوء وجود مرشحين وحيدين من «معسكره»، «الكرة» ليست في «ملعبه»، المشكلة لدى قوى 14 آذار، ولن يتبرع الحزب في حلها حلفاء الحريري لا يملكون أدنى فكرة عن استراتيجيته هذا اذا كان ثمة واحدة، بعد ان اتخذ قرارا بحصر ترشيح اثنين من رموز8 للرئاسة الأولى، دون اي يحصل من الطرف الاخر على «ثمن» مقبول لخطوة قدمت مجانا و«بخفة» غير مسبوقة نتيجة حسابات خاطئة، افترض معها من اقنع الحريري بالفكرة، ان حزب الله سيقع في «فخ» اغراء وصول فرنجية الى بعبدا، لكن هذا لم يحصل وعادت «كرة النار» الى حضن الحريري، وبدل ان يخسر الحزب حليفه المسيحي الاقوى ميشال عون، خسر زعيم «التيار الازرق» حليفه المسيحي الاقوى سمير جعجع، ولم يكسب «ولاء» فرنجية الذي ما يزال مرتبطا عضويا بحزب الله، وهنا ينطبق على الحريري القول الماثور «لا بالشام عيدنا، ولا بدمر الحقنا العيد».

هذا المثل سيبقى شعارا واقعيا في المرحلة المقبلة اذا كان ثمة من يراهن على ان اي تسوية مع ايران يمكن ان تفك «أسر» الرئاسة الاولى،لان طهران لا تتعامل مع الساحة اللبنانية بانها جزء من أثمان يمكن المساومة عليها، وللمرة الالف ابلغ الايرانيون كل من راجعهم بهذا الامر، وآخرهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان هذه المسألة مرهونة بتوازنات لبنانية، وقرار داخلي لبناني، وهي الجملة «السحرية» التي يستخدمها الايرانيون للدلالة على استقلالية قرار حزب الله في هذا الملف، وحتى لو كان ثمة ارتباط عضوي للرئاسة بالمناخات الاقليمية والدولية، فان هذه الاجواء تعزز من قدرة الحزب والتيار الوطني الحر على فرض شروطهما وليس العكس. هذه المعطيات تسمح »للجنرال» بالتقدم خطوة الى الامام في معركته الرئاسية، فبات قادرا ودون «استحياء» الدفاع عن حقوق المسيحيين، بعد ان كشف الحريري عن «وجه» معركته الحقيقية «الحفاظ على حقوق السنة» ولو كان ذلك على حساب «بيع» الحلفاء وتحويل «فكرة» 14 آذار الى «اثر بعد عين» بعد ان اصبح مصيرها مجهولا…