هل ستكون مصر بيضة القبّان في الشرق الأوسط وتستعيد أدوارَها الإقليمية؟ هل ستتجاوز مشكلاتها الأمنية، الاقتصادية والمائية؟ هل ستتمكّن من العبور بالإسلام المعتدل بمواجهة التطرّف؟ هذه أسئلة تتطلّب الغوصَ في المشهد المصري لبلوغ الإجابات.
مصر تسير بخطى ثابتة نحو بناء استقرارها واستعادة علاقاتها الدولية وإعادة تثبيت دورها الإقليمي، ويَبرز هنا:
• أوّلاً، على المستوى الأمني، ما تزال الأولوية المصرية مكافحة الإرهاب وحصرُه شمال سيناء، وتحويله إلى حرب مفتوحة لمحاولة القضاء على طرق إمداده. وفي هذا السياق، استقبلت القاهرة غيرَ مرّة مسؤولين من حركة «حماس» وطالبَتهم (كدليل لحسنِ النوايا) بضبطِ الحدود مع سيناء وإيقاف تسلّلِ العناصر الإرهابية نحو الأراضي المصرية.
وقالت مصادر إنّ «من بين النقاط التي بُحِثت، منع استعمالِ غزّة منصّةً لنشاط قيادات «إخوانية» جماعة «الإخوان المسلمين» (ضدّ النظام في مصر) أو مركز اتّصالات لهذه القيادات مع الداخل المصري. هذا في وقت استمرّ التحرّك ضدّ خلايا «الإخوان» والعناصر التي عادت من بعض مناطق القتال (ليبيا، سوريا) وتمركزَت في مناطق أقامتِها الأصلية في وادي النيل امتداداً حتى أسوان.
• ثانياً، على المستوى الاقتصادي، تستمرّ إجراءات التقشّف الشديد من الدولة وتنفيذ خطّة الإصلاح الاقتصادي التي تُرتّب أعباء شديدة على المواطن المصري، لكن واستناداً «إلى الكثير من المراصد فإنّه سيبدأ ظهور بوادرالتحسّن اعتباراً» من أواخر شهر حزيران المقبل، غير أنّ الطفرةَ الكبرى والإحساس الحقيقي الذي سيبشّر به المواطن سيكون اعتباراً» من بداية عام 2018.
• ثالثاً، على مستوى بناء ثقافة الاعتدال والحفاظ على «الإسلام المعتدل» والنسيجين الوطني والثقافي، يستعدّ البرلمان المصري لمواجهة (مشايخ الفضائيات) بإصدار حزمة قوانين لضبط المشهد.
• رابعاً، على مستوى السياسة الخارجية، تتركّز الأنظار حاليّاً على الزيارة المتوقّعة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن ولقائه الرئيسَ الأميركي دونالد ترامب مطلعَ هذا الشهر، والذي من المنتظر أن يزيلَ كافّة الشوائب التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال عهد الرئيس باراك أوباما، وممّا يُساعد في ذلك (إيمان الإدارة الأميركية الجديدة بمحورية دور مصر الإقليمي). فأهمّية زيارة السيسي لواشنطن أنّها تأتي:
– بعد مراجعة أميركية (عسكرية وسياسية) للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وبعد انتهاء «البنتاعون» الأميركي من وضعِ مخطّطِه للحرب ضدّ تنظيم «داعش» على طاولة القرار أمام ترامب.
– بعد لقاء واشنطن الذي دعا إليه وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون لدول «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ «داعش».
– على خلفية انعقاد «قمّة عمّان»، وبهذا المعنى فإنّ الرئيس السيسي سيحمل الموقف العربي تجاه مختلف الملفّات إلى البيت الأبيض مع التمايز الذي تُبديه السياسة المصرية تجاه الكثير من الملفات.
– بعد إعادة إنتاج سياسة مصر الخارجية وبعد كسرِها الطوقَ الذي فرضَه عـدد من الدول الغربية إثر إطاحةِ حكم الإخوان. وفي هذا السياق، تأتي زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتأكيد الأوروبي على دور مصر الاستراتيجي.
وقد ترافقَت زيارة ميركل مع دعوة الاتّحاد الأوروبي دولَ حوض النيل للالتزام بالحقوق المائية للدول الأعضاء كما دعا الحكومة الأثيوبية لتأكيد التزامها باستخدام سدّ النهضة لتوليد الطاقة الكهربائية وليس لأغراض الريّ وأن يستفيد منه شركاء الحوض كلّه.
– في أعقاب تحرّكٍ عربيّ نحو مصر، حيث زارَها كلٌّ مِن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الرئيس اللبناني ميشال عون والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس.
– في موازاة الدور المصري المتقدّم في دعمِ الحرب النظامية الليبية (بقيادة المشير الخليفة حبتر) ضدّ الإرهاب الذي يُهدّد ليبيا والجوار الليبي. وكذلك الدور المصري في العمل لجمع الفرقاء الليبيين بهدف صياغة حلٍّ للمسألة الليبية.
– بعد الحجّ العربي نحو البيت الأبيض، وتَمثّلَ بزيارة العاهل الأردني وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ودعوة الرئيس الفلسطيني لزيارة واشنطن، قد تسبق أو تلي زيارةَ السيسي.
– بعد زيارة رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى واشنطن والمحادثات التي أجراها مع ترامب، وبعد المراجعة التي أجراها المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ولقاءاته مع نتنياهو وغيره حول السياسات الإستيطانية.
وهكذا، فإنّ القضية الفلسطينية ستكون (على أعلى جدول المحادثات المصرية – الأميركية).
على خلفية الموقف المصري الثابت بالوصول إلى حلّ عادل ودائم في الشرق الأوسط يرتكز على قيام دولة فلسطينية مستقلّة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وستؤكّد مصر على الدور المحوري الأميركي في رعاية عملية السلام، بما يؤدّي إلى استئناف المفاوضات لإنهاء النزاع وإقامة الدولة الفلسطينية.
كما الموقف المصري بالنسبة لحلّ أزمة الشرق الأوسط سيمثّل (وحده) الموقفَ العربي الذي يستند على مبادرة السلام العربية.
يُذكر أنّ «الملفات التي ستُطرَح في زيارة الرئيس السيسي كانت موضعَ اتّصالات مباشرة وهاتفية لوزير الخارجية المصرية سامح شكري مع واشنطن».
وقالت المصادر إنّ «لقاء القمّة المصري – الأميركي الأوّل من شأنه استعادة زخمِ العلاقات بين البلدين، والتي كانت قد شهدت تدهوراً»، خلال عهد أوباما.
واستناداً إلى مصادر متابعة فإنّ محادثات السيسي مع ترامب ستتناول كذلك بنحوٍ مؤكّد التعاونَ الاقتصادي والأمني، والجهود الدولية المشتركة لمكافحة الإرهاب، والجهود المطروحة للتوصّل إلى تسويات سياسية في سوريا وليبيا. وينتظر أن تَمنح واشنطن دوراً «متزايداً» لمصر في الحرب ضدّ الإرهاب في ليبيا والجوار الليبي (دول المغرب العربي خصوصاً)، كما يتوقع أن تؤدّي مصر دوراً سياسياً متزايداً إزاء علاقاتها المتطوّرة مع الأطراف الفلسطينية بما في ذلك حماس.
وأفادت مصادر مصرية أنّ «السيسي سيَحمل سلّة مطالب، ولا سيّما تعزيز المساعدات العسكرية للجيش المصري، خصوصاً المعدّات التي تُستخدَم في مكافحة الإرهاب، والمزيد من الاستثمارات الأميركية في مصر.
يبقى أنّه في الواقع الراهن للشرق الأوسط، لا يوجد رهان خارج خريطة المنطقة سوى على الدور المصري في ترتيب الوقائع الجارية، فهل ستتمكّن مصر من عبور مشكلاتها وتنجح؟ وهل سيكون عام 2017 عام مصر «أميركياً»؟ .. الجواب يحمله الآتي من الأيام.