ريفي وحمّود يسجّلان سابقة في «العسكريّة»
هل تُخلي «التمييز» سبيل ميشال سماحة قريباً؟
لم تحتج هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم لأكثر من جلسة ونصف الجلسة لاستجواب المتّهم ميشال سماحة قبل أن تحكم عليه بالسجن لأربع سنوات ونصف السنة مع تجريده من حقوقه المدنيّة.
وهذا يعني فعلياً أنّ سماحة سيكون طليقاً في بداية العام 2016، على اعتبار أنّه سيكمل سنته السجنيّة الرابعة في آب الـ2015 ويضاف إليها 4 أشهر سجنية ونصف الشهر (الـ6 أشهر). غير أنّ خروج سماحة قد لا يحتاج للانتظار حتى الـ2016، إذ إنّ وكلاء الدفاع عنه سيلجأون إلى محكمة التمييز في «العسكريّة» لتمييز القرار من ناحية المدّة والتجريد من الحقوق، وفق مصادرهم.
وإذ تصف مصادر قضائيّة المحكمة التمييزيّة بأنّها «أرحم من المحكمة الأصيلة وسيكون قرارها حكماً أقلّ من قرار الهيئة الدائمة»، فإنّها لا تستبعد أن تقرّر إخلاء سبيل سماحة مع دفع كفالة ماليّة.
في المقابل، فإنّ حكم «العسكريّة» لم يمرّ مرور الكرام، بل توالت ردود الأفعال الرافضة، وكان أبرزها كلام وزير العدل أشرف ريفي (تلقى مساءً اتصالاً من الرئيس سعد الحريري استهجن فيه الحكم) الذي وُصف الحكم بـ «المعيب والمسخرة»، مضيفاً: «أنعى للشعب اللبناني المحكمة العسكرية، إنه يوم أسود إضافي في تاريخ هذه المحكمة التي لا علاقة لوزارة العدل بها».
كما كان وزير العدل قد أعلن «أنّنا سنعمل بكل الوسائل القانونية لتمييز هذا الحكم الذي يدين كل من شارك به، وسنعمل بكل الوسائل لتعديل قانون المحكمة العسكرية، ونحن ننهي اللمسات الاخيرة على مشروعنا البديل الذي سينقلنا من المحاكم الخاصة الى المحاكم المتخصصة».
كما أحال المستشارة المدنية في المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي أمام التفتيش القضائي بسبب الحكم.
وبالفعل، سرعان ما صدرت الإجراءات القانونيّة لإعادة النظر بالحكم من مكتب النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي طلب من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي صقر صقر التقدّم باستدعاء لتمييز الحكم الصادر عن «العسكريّة»، ليطلب صقر بعدها منها إيداعه ملف الحكم اليوم.
وهذا يعني أن وزير العدل ومعه المرجعيّة القانونيّة الوحيدة التي يمكن لها التقدّم بهذا الطلب (حمود)، «سجّلت سابقة لم تعهدها المحكمة العسكريّة منذ تأسيسها»، إذ يجزم قانونيون أنّه «لا يحقّ للنيابة العامة التمييزيّة تمييز حكم في حالة الإدانة (كحالة ميشال سماحة). بل هذا الحقّ لا يعطى إلّا في حالتين لا ثالث لهما: إما عندما تصدر المحكمة حكمها بإعلان براءة المتّهم أو في حال إبطال التعقبات بحقّه».
وإذا كانت هاتان الحالتان لا تنطبقان على سماحة، فكيف طلب حمود من صقر التمييز؟ تشدّد مصادر قانونيّة على أنّ ما فعله حمود يعتبر أيضاً سابقة أخرى، حيث قام بتجزئة الحكم والنظر بالعقوبتين الموجّهتين إلى سماحة، كلٍّ على حدة: الأولى إرهاب (نقل أسلحة) المنصوص عنها في المادتين 5 و6 من قانون الإرهاب والتي حُكم بها سماحة 4 سنوات ونصف السنة، والثانية (جرم القتل عمداً) المنصوص عنها في المادة 549/201 عقوبات، والتي خرج منها بريئاً.
بمعنى آخر، فإنّ النيابة العامة ستميّز حكم البراءة وليس حكم الأربع سنوات ونصف السنة. وبالتالي، سيكون أمام قضاة «محكمة التمييز» تمييزان، الأوّل مقدّم من وكلاء الدفاع والثاني من مفوّض الحكومة.
ويرى قانونيون أنّ تمييز وكلاء الدفاع سيكون أقوى من تمييز مفوّض الحكومة، على اعتبار أنّ الثاني هو سابقة ويستند إلى اجتهاد وليس إلى مواد قانونيّة، فيما الأول يستند إلى أخطاء قانونيّة منصوص عنها في أصول المحاكمات، لتبقى إمكانيّة إخلاء سبيل سماحة واردة حتى بعد التمييز الثاني!
وبالرغم من كلّ ذلك، فإن البعض كان ينتظر أنّ تصدر «العسكريّة» حكمها بحق سماحة في جرم نقل المتفجرات من سوريا إلى لبنان والتحضير لأعمال أمنيّة في عدد من المناطق اللبنانيّة واغتيال شخصيّات بأكثر من ذلك بكثير، خصوصاً أنّه متّهم بجرم محاولة القتل المنصوص عليها في المادة 549/201 من قانون العقوبات، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام أو منح المتّهم الأسباب التخفيفيّة حتى تصل إلى 7 سنوات سجن على الأقلّ، بالإضافة إلى كونه متهماً بجرائم منصوص عنها في قانون الإرهاب. ولكنّ إفادة المتّهم ومرافعة وكيله المحامي صخر الهاشم كانتا منتقاتين بعناية لجهة التأكيد أكثر من مرّة أنّ المخبر ميلاد كفوري هو الذي أوقع بسماحة الذي لم يكن لديه أي نيّة جرميّة قبل أن يفتح الأخير الموضوع معه. وقال سماحة، في جلسة الأمس، «كفوري لم يكن شخصاً وإنّما البرنامج الذي برمجه جهاز المعلومات ليقوم باستهدافي، وهو ليس مخبراً وإنّما هو أداة لاستدراجي من قبل هذا الجهاز»، ليختم إفادته بالقول: «أنا أسير حرب سياسيّة مخابراتيّة بأدوات مخابراتيّة»!
أما الهاشم فقد ركّز على أن كفوري يُعتبر قانونياً «محرّضاً صورياً» ودرّبه الجهاز الأمني (فرع المعلومات) وأمّن له الوسائل لاختراق سماحة وإقناعه بالعمليّات، كما أن سماحة لم يكن على علم بالأهداف التي سيتمّ استهدافها.
وبالتالي، فإن هيئة المحكمة العسكريّة قد استندت إلى هذا الأمر وأعلنت براءته من جرم القتل، على اعتبار أنّه «تمّ الإيقاع به».
ثم بقي أمام هيئة المحكمة الجرائم الموجّهة إلى سماحة والمتعلقة بنقل المتفجرات بحسب المادتين 5 و6 من قانون الإرهاب، واللتين تصل عقوبتهما، بعد إدغامهما معاً، إلى 7 سنوات، ثم منح المتّهم أوسع الأسباب التخفيفيّة لتصل إلى الـ5 سنوات بالحدّ الأدنى.
وعليه، يبقى سؤال يتعلق بكيفيّة تخفيض عقوبة سماحة من 5 إلى 4 سنوات ونصف السنة بعد أن تمّ اتهامه بمواد قانون الإرهاب؟
يشير قضائيون إلى أنّ المحكمة العسكريّة لها سلطة وتستطيع القيام بما تراه مناسباً، فيما يبرّر محامون الأمر باستخدام «معيار القياس» بين سماحة ومتهمين آخرين، موضحين أنّ العديد من المتهمين بهذه المواد بالتحديد خُفضت عقوبتهم إلى أقلّ من 5 سنوات من قبل «العسكريّة».