يعيش لبنان أزمة غير مسبوقة على هذا النحو، ومشرعة الابواب على كل الاحتمالات، السلبية منها والايجابية، موقوفة في الدرجة الأولى على ما ستؤول اليه التطورات الجارية في المنطقة، من اليمن، الى سوريا مروراً بالعراق، حيث المنطقة مفتوحة على اعادة رسم خريطة المحاور الدولية، وقد استعادت روسيا دوراً بالغ الأهمية بعد انحسار نجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي كان يشكل توازناً دولياً كبيراً مع الولايات المتحدة الاميركية..
لم يعد سراً موقوفاً على البعض من دون البعض الآخر، ان تعثر ولادة «حكومة الوفاق الوطني»، هو في جزء كبير منه ناجم عن هذه التطورات الخارجية، خصوصاً وان الافرقاء اللبنانيين على وجه العموم، لم يلتزموا سياسة «النأي بالنفس» التي أقرت باجماع مكونات الحكومة اللبنانية، وراحوا بعيداً في الانغماس بالمحاور الخارجية وان بطرق مختلفة.. ولم يعيروا اهتماماً يذكر، لأولوية تأليف الحكومة وحاجة لبنان واللبنانيين الى حكومة جديدة، هي غير «حكومة تصريف الأعمال»..
في قناعة الغالبية الساحقة من المتابعين، ان مطلب «النأي بالنفس» عن الصراعات الخارجية، شعار جميل، لكنه غير قابل للتنفيذ، وان كان يمكن تطبيقه على الحكومة، كحكومة، ورئاسة الجمهورية كرئاسة جمهورية.. وما آلت اليه الاوضاع في لبنان، لم يكن وليد صدفة، وان لم يكن هناك من بدائل عن الموجود..
يرمي رئيس الجمهورية، والفريق المؤيد له، وآخرون كرة التأليف في حضن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الذي يتفق الجميع، من مؤيدين ومناصرين ومخالفين، على انه في وضع حرج للغاية، وهم ينتظرون عودته من الخارج، للوقوف على ما يمكن ان تحمله الايام والأسابيع الآتية، على رغم ان البعض غير آبه بالمخاطر التي يمكن ان تتأتى من استمرار حلقة الرقص فوق حبال الفراغ الحكومي المرشح ان يطول، بل أكثر من ان يطول، بالتقاطع مع السيناريوات المتداولة حول قرار المحكمة الدولية المختصة بلبنان، وما يمكن ان يحمله لجهة تحديد المسؤوليات الجنائية والقانونية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من خلال انتقال المحكمة الى «الرواية القضائية الكاملة» المعززة برأي متابعين «بادلة ولا يرقى في الشك اليها..».
تكثر السيناريوات، لكن أحداً لا يملك الدليل على ما ستكون عليه أوضاع البلد ما بعد عيد الأضحى، ومع نطق المحكمة الدولية بما لديها من معطيات، ومن ثم مرحلة المحاكمة وبعدها النطق بالحكم ثم تحديد العقوبات ومرحلة الاستئناف.. وان كان عديدون يعزون عرقلة التأليف الى استحالة ان تكون الحكومة اللبنانية الجديدة، تضم فريقا او أفرقاء طالتهم المحكمة الدولية.. وان كان الرئيس الحريري، على ما ينقل عنه مقربون منه، «مستعجل على تشكيل الحكومة.. وهو يحاول ان يشكل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل الجهات.. خصوصاً، ان الحريري لا يريد ان يدخل في مشروع تشكيل حكومة أكثرية (على ما يدعو الى ذلك نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي) او «حكومة تكنوقراط»، وهو يصر على تشكيل «حكومة وحدة» لاسيما وأن الاوضاع في المنطقة، الى مزيد من التعقيدات، بانتظار ما ستؤول اليه، سواء في اليمن، او في سوريا، ناهيك بالضغوطات الناجمة عن أزمة الوضع الاقتصادي – الاجتماعي – المعيشي في لبنان» والذي يحتم برأي هؤلاء المقربين «مشاركة الجميع في الحكومة لمواجهة هذه التحديات..»؟!
يصر الافرقاء المناوئون لفريق رئيس الحكومة على تحميل الخارج الاقليمي – العربي مسؤولية تعبّر ولادة الحكومة.. وفي المقابل ينفي الفريق الحريري وجود تدخلات خارجية، أقله من ناحية الجهات الاقليمية الداعمة لـ»تيار المستقبل..». وهكذا تدور المسألة في حلقة مفرغة من التخمينات، وان كانت التجارب السابقة تدل على ان لبنان لم يكن يوماً بعيداً عن التدخلات الخارجية، دولية كانت أم اقليمية أم عربية، هذا مع الاشارة الى أنه لا يمكن الدعوة الى التمسك بـ»النأي بالنفس» لو لم يكن هناك من هو ضالع في تدخلات تدور من حولها اجتهادات بين مؤيدة ومعارضة.
سيعود الرئيس الحريري الى بيروت، وهو على قناعة بأن لا دخل للوضع الاقليمي بتعثر ولادة الحكومة بأننا «مازلنا نحتاج الى بعض الوقت لنصل الى صيغة نهائية للحكومة، متهما بعض الافرقاء بأنهم مازالوا متمسكين بشروطهم، داعيا هؤلاء الى وجوب التنازل بعض الشيء..» وهو سيمضي في اتصالاته، بهدف الوصول الى صيغة نهائية للحكومة، لا تكون «حكومة أكثرية»، ولا «حكومة تكنوقراط»، ولا عودة الى حكومات شكلت في السابق على أنها حكومات وحدة وطنية ولم تكن فعلاً كذلك.. مؤكداً على «دوره كرئيس مكلف، في أن يجمع مختلف الاطراف على الرغم من كل الخلافات السياسية التي علينا ان نضعها جانباً..» فهل يكون له ما يريد ليتحقق الاستقرار والنهوض بالاقتصاد والقيام بمشاريع جديدة.. أم ان «لعبة الأمم» ستكون أكثر فاعلية؟!