أزمة كوريا الشمالية وتجربتها النووية الأكبر في تاريخها تطاول الشرق الأوسط ببعدين. الأول بعدُ العلاقات الاقتصادية والعسكرية والدفاعية لها مع دول مثل مصر وتركيا وسورية وإيران إذ تحاول واشنطن الضغط على القاهرة وأنقرة بشتى الوسائل (بينها قطع جزء من المساعدات للحكومة المصرية) لإنهاء هذا التعاون، والبعد الثاني والأهم وهو النووي وما يطرحه نموذج بيونغيانغ من فرص وأخطار للنظام في طهران.
تجربة كوريا الشمالية لقنبلة هيدروجينية فجر الأحد جاءت بعد يومين من وصول رئيس مجلس الشعب الكوري كيم يونغ يام إلى طهران في زيارة تستمر عشرة أيام وستبحث التعاون العسكري والتكنولوجي بين الجانبين. الضيف الكوري سيلتقي الرئيس الإيراني حسن روحاني، إنما اجتماعاته الأهم ستكون مع هيئات تكنولوجية وعلمية لبحث محتمل في سبل استفادة إيران من تجربة بيونغيانغ النووية.
هنا، قد ترى إيران فرصة وتشابهاً مع نظام عقائدي، منعزل في إقليمه ويرزح تحت العقوبات الدولية، ومع ذلك أثبت قدرة على تحدي المجتمع الدولي وتطوير قنابل ورؤوس صواريخ نووية وفرض سيناريو يُرغم خصومه على الرضوخ له، ويحمي النظام في بيونغيانغ من المحاولات الانقلابية المدعومة من الخارج. النموذج الكوري الشمالي مُغرٍ لإيران، التي تعود علاقتها وتعاونها مع بيونغيانغ إلى الثمانينات ومرحلة الحرب العراقية- الإيرانية. فقد يتهيأ للمتشددين في إيران أن تطوير القنبلة النووية هو الضمانة الأكبر التي يبحث عنها النظام منذ نشوئه في ١٩٧٩. إذ على رغم توسعه الإقليمي والاتفاق النووي، فالعمود الفقري الأيديولوجي للنظام هو في عدائه الدائم والمفترض مع «الشيطان الأكبر» سواء كان أميركا أو إسرائيل، ولذلك فإن الجلوس في مقعد كيم جونغ أون «الممانع» والمتصدي للتهديدات سيساعد النظام الإيراني على ذلك.
وقد يكون هذا النظام استنتج من تجربتي سقوط نظامي صدام حسين ومعمر القذافي مقابل استمرار كيم جونغ أون، أن السبب في ذلك هو عدم امتلاك العراق وليبيا قنبلة نووية. هذه الطموحات وأي تعاون كوري- إيراني ترصده واشنطن عن كثب ويعتبره مسؤولون أميركيون خطاً أحمر في حال وصل إلى مرحلة بيع بيونغيانغ طهران قطعاً نووية أو قدمت لها مساعدات في البرنامج النووي.
ولذلك ترى إدارة دونالد ترامب أن طريقة تعاملها مع أزمة كوريا الشمالية سواء من طريق عقوبات اقتصادية أو تحرك عسكري أو خطط على نار هادئة لتغيير النظام، ستحمل رسائل أبعد من بيونغيانغ وقد تجعل طهران تفكر مرتين قبل استنساخ تجربة النظام الكوري.
في الوقت ذاته سيأتي أي انتهاك من قبل طهران للاتفاق النووي مع الدول الكبرى وانتهاج نهج كوريا الشمالية، بمضاعفات حتمية وسريعة تعيد تسونامي العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية ومن مجلس الأمن الدولي على إيران إن لم تفتح الباب على ضربات استباقية تنفذها إسرائيل كما فعلت في سورية في ٢٠٠٧. فالقنبلة النووية وإن كانت تبدو صمام أمان للنظام الإيراني، ستفرض خناقاً اقتصادياً وسياسياً على طهران قد لا يتحمله الشعب الإيراني كما يفعل نظيره الكوري. كما قد يعني الوصول إليها انطلاق سباق تسلح نووي إقليمي.
وتأتي زيارة رئيس مجلس الشعب الكوري إلى إيران قبل أسابيع من انتهاء الإدارة الأميركية مراجعتها للاتفاق النووي الإيراني. وقد يوجه أي خطأ من إيران باتجاه إبرام مقايضات مع كوريا الشمالية تلتقطها الاستخبارات الأميركية أو غيرها، ضربة قاضية للاتفاق النووي الموقع منذ عامين والمتأرجح أميركياً، مع تحفظات ترامب والصقور وتأييد وزيري الدفاع والخارجية له. أما استمرار إيران بالموازنة بين مسارين، أحدهما يلتزم الاتفاق النووي والآخر يغازل أنظمة «ممانعة» وخيارات متشددة، فسيعزز فرص إبقاء الاتفاق لا بل محاولة استنساخه من المجتمع الدولي في التعاطي مع كوريا الشمالية بالسعي إلى الحد من قدراتها النووية، على رغم أنها قطعت مرحلة اللاعودة.
تخسر إيران الكثير في حال استخلصت الدرس الخطأ من كوريا الشمالية. فتطويرها قنبلة نووية سيزيد عزلة النظام إن لم تسبقه خطوات لمنع إتمام ذلك، فيما التزام الاتفاق النووي سيحفظ توازناً قائماً في مصلحة جميع الأطراف في المدى المنظور والمتوسط.