عندما يستسهل السياسيون التراجع عن «مواقفهم المبدئية»
هل يكون الرئيس اللبناني.. روسياً؟
ثلاثون جلسة انتخاب للرئيس والحبل على الجرار. رئيس مجلس النواب يدعو، ونحو 50 نائباً يلبون النداء. حلقة مفرغة للرئاسة تدور داخل حلقة مفرغة أخرى للبلد. كلاهما يهيم في فضاء بلا جاذبية. الكل ينتظر فضاءات الإقليم عله يمن عليه ببقايا هواء.
منذ ما قارب السنتين لم تتغير المواقف قيد أنملة. ثابتة في مكانها كالإيديولوجيا. تتغير الحجج والمبررات وتُخترع الشعارات والمبادئ، لكن تبقى الغاية هي المصلحة العامة، كما يراها كل طرف، والتي يصدف أنها تتواءم مع المصلحة الخاصة.
في التأجيل الثلاثين، ما يزال «تكتل التغيير» صامداً بين صفتين لا ثالث لهما لرئيس الجمهورية، إما القوي في بيئته أو المُنتخب من الشعب. وهو موقف يقابل بتفسير مختلف لنظرية الرئيس القوي. بالنسبة لـ «المستقبل» الرئيس القوي هو «القادر على جمع اللبنانيين، ليس بزنده ولكن بقدرته وعقله».
موقفان يخفيان خلفهما جبالاً من المواقف الحاسمة الرافضة للتنازل، بالرغم من أن الصغير قبل الكبير يدرك أن التنازل سيأتي لا محالة. عندها، كيف سيبرر هذا أو ذاك تراجعه؟ ذلك لا يشكل مصدر قلق لأحد. المهم أن يأتي القرار ويلتفت الخارج إلى الداخل، وبعدها يصبح الرضوخ سهلاً.
مثال الرئيس ميشال سليمان ما يزال حاضراً. الكل كان يجاهر برفض تعديل الدستور لأجل وصوله إلى الرئاسة او رفض شخص ميشال سليمان تحديداً. «14 آذار» لم تقف عند هذا الحد، بعضها طالب بمحاكمته عندما كان قائداً للجيش، ربطاً بأحداث 7 أيار. كل ذلك سقط دفعة واحدة. «14 آذار»، كما «8 آذار»، رضخت للأمر الواقع. العماد ميشال عون كان أكثر المتعنتين، لكن الوعود أقنعته على مضض، فيما سبق «المستقبل» الدوحة بإعلان مفاجئ في حينه من قبل النائب عمار حوري، يؤكد فيه الموافقة على تعديل الدستور في سبيل وصول قائد الجيش إلى سدة الرئاسة.
أمس، تحدث رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن موافقة إيران على «انتخاب رئيس جمهورية للبنان بلا لون ولا طعم، بشرط بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا».
مجرد طرح الموضوع يعني أولاً رفع أسهم ميشال عون شعبياً، بما يصعّب عملية تجاوزه، ويعني ثانياً تسليم جعجع بالقرار الإقليمي الذي سيأتي عاجلاً أم آجلاً، علماً أنه حتى الآن، لم يخرج من عباءة «الرئيس القوي»، الذي التقى عليه مع «التيار الوطني الحر»، في ورقة التفاهم.
الانقلاب على المواقف سهل. أردوغان نفسه أعلن أمس أنه يؤيد بقاء بشار الأسد فترة ستة أشهر، وهو الإعلان الأول من نوعه ممن كان يرفض مبدأ بقاء الأسد، قبل أن تتحول قضيته إلى مدة بقائه. ثمة من يقرأ موقف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على النحو نفسه. فإذ ردد الجبير رفضه أي دور لبشار الأسد في سوريا الجديدة، فهذا يعني أنه يتحدث عن فترة ما بعد ولايته الرئاسية في العام 2021!
الأمر نفسه حصل مع تسوية ترقيات الجيش. كان قائد الجيش قد وافق على زيادة عدد الألوية إلى ثمانية، بعدما وافق «المستقبل» و «حزب الله» على الصيغة أثناء حوار عين التينة، لكن في النهاية، يرى المصدر المتابع أن إفشالها من قبل الرئيس فؤاد السنيورة، لم يكن ممكناً أن يتم بدون قرار خارجي.
باختصار، من يريد أن يكون صادقاً مع نفسه عليه أن يقول «أنا لا أملك قراري». لكن العونيين، ما يزالون يعتبرون أن هذه المعادلة لا تصح عليهم. يقولون إن ميشال عون لن يستسلم، وإن عبارته في العام 1990 تصح على الاستحقاق الرئاسي أيضاً.. «فإذا لم يصل إلى سدة الرئاسة، لن يأخذوا توقيعه حتى لو سحقوه».
إذا كان وصول سليمان إلى الرئاسة قد جاء بدفع مصري ـ قطري وموافقة سعودية ـ سورية، فإن المعادلة تبدو أوسع اليوم وبتأثير عربي محدود. ولأن الأمر لا يتعلق بلبنان فقط إنما بمستقبل المنطقة، لا يتردد كثر بتشبيهها بمعاهدة مارك سايكس ـ جورج بيكو ـ سيرغي سازانوف، مع أخذ تبدل التوازنات العالمية بعين الاعتبار، ليتحول الثنائي الانكليزي ـ الفرنسي إلى ثنائي أميركي ـ روسي عنوانه جون كيري ـ سيرغي لافروف، على أن يكون الطرف الثالث ربما محمد جواد ظريف.
في «معاهدة سايكس ـ بيكو» لم يميز التقسيم بين سوريا ولبنان، وهذا يعني للبعض أن حصة روسيا لا يمكن أن تتجزأ، فمن يسيطر على سوريا يسيطر حكما على لبنان. ذلك أمر مسلم به أميركياً، أما معرفة كيف ستترجم روسيا سيطرتها هذه رئاسياً، فذلك يحتاج إلى بعض الوقت.