IMLebanon

هل يكون رياض سلامة رئيساً للجمهوريّة؟

منذ ان فُتح ملف الإستحقاق الرئاسي قبل أكثر من سنة طُرح اسم حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة كواحد من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية والذين يعتبرون مرشحين جدييّن ويمتلكون مواصفات «الرئيس التوافقي».

رياض سلامة هو الابن البكر لتوفيق سلامة ورينه رومانوس، عُيّن حاكماً لمصرف لبنان في الأول من آب 1993 لمدة ست سنوات، وأعيد تعيينه لثلاث ولايات متتالية في 1999 و 2005 و2011، تهدف السياسة النقدية التي اعتمدها الى صون الليرة اللبنانية من أجل ارساء أسس نمو اقتصادي واجتماعي مستدام.

لم يكن رياض سلامة ليأخذ هذا الحيّز من الاهتمام وهذا الموقع المتقدم في الترشيحات الرئاسية لولا الرصيد الشخصي الذي راكمه على مرّ سنوات واكسبه مصداقية وثقة بشخصه، ولولا تضافر جملة عوامل واسباب تجعله مطروحاً لرئاسة الجمهورية وتضع اسمه على لائحة الترشيحات الجدية.

اهم هذه العوامل:

1- ان هذا الرجل هو في طبعه ونهجه وممارسته رجل توافق لا تصادم، ورجل انفتاح لا انغلاق ورجل اعتدال لا تطرٌف. ولانه كذلك، ليست لديه مشكلة مع احد ولم يحصل معه طوال فترة وجوده على رأس مصرف لبنان اي اشتباك شخصي او سياسي يُذكر مع احد.

2- التجربة الناجحة التي كانت له في حاكمية مصرف لبنان وباعتراف وشهادة الجميع داخلياً واقليمياً وعالمياً كان لها فعلها في طرح اسمه كمرشح جدي لرئاسة الجمهورية. لقد اثبتت التجارب والايام على امتداد 25 سنة تقريبا وفي خضم احداث وازمات كبيرة نالت من استقرار لبنان السياسي والأمني ان سلامة كان خيارا ممتازا والرجل المناسب في المكان المناسب.

3- أرسى هذا الرجل وضعاً نقدياً آمنا ومستقراً وبيئة حاضنة وجاذبة للاستثمارات واصبح المصرف المركزي والمؤسسات التابعة له والدائرة في فلكه مثل ( شركة طيران الشرق الاوسط وشركة انترا للاستثمار وغيرهما) عنواناً للاستقرار والإزدهار والنجاح.

4- رياض سلامة صمّام امان مالي، عمل بتجرّد وتفانٍ في اصعب الظروف وأنقذ الوضع المالي من مطبات وازمات في أوج احتدام الأزمات المالية العالمية، ونجح في جعل القطاع المصرفي من افضل القطاعات المنتجة وركيزة اساسية من ركائز الاقتصاد الوطني وكعموده الفقري.

هذا النجاح الواضح وغير المسبوق في إدارة مرفق عام وحيوي واساسي هو الذي يجعل الأنظار تتجه اليه. ويجعل اللبنانيين يقولون في مجالسهم الخاصة والعامة من نجح في ان يكون مؤتمناً على اموالنا وعملتنا في اصعب الايام والظروف ومن انتخب اكثر من مرة افضل حاكم بنك مركزي في العالم بمقدوره ولديه المؤهلات والمواصفات لأن يكون مؤتمناً على الوطن.

5- فَقَد الناس ثقتهم بمعظم هذه الطبقة وملّوا الاعيبها ومناوراتها وما عادوا يأملون وينتظرون منها شيئاً ولا عادوا يعلّقون عليها آمالاً بعدما اكتشفوا انها واهية وانهم واهمون. ولذلك باتت هناك رغبة عامة وعارمة لانتخاب رئيس جديد للبنان من خارج الاصطفافات والصراعات. رئيسٌ لا يكون منتمياً الى فريق او منحازاً الى دولة خارجية وانما رئيس يكون حراً مستقلاً منحازاً للبنان وللمصلحة الوطنية.

رئيس يعمل كثيراً ويتكلم قليلاً، نظيف الكف واللسان يحارب الفساد من دون هوادة وتهاون بكل ما أوتي من قوة وعزم.

رياض سلامة لا ينتمي الى هذه الطبقة السياسية ولم يندمج فيها رغم انه كان على تماس وتواصل معها لسنوات بحكم موقعه ودوره في إدارة قطاع هام ومرفق حيوي. كما ان بعض هذه الطبقة السياسية هادنت رياض سلامة و«بايعته» في حاكمية مصرف لبنان لأنها كانت بحاجة الى خبرته وكفاءته ومؤهلاته وكان «يلعب» خارج ملعبها.

6- اللبنانيون متلهفون لرؤية التحسن الملموس في اوضاعهم الحياتية والاجتماعية والاقتصادية بعدما وصلوا الى ما دون خط الفقر وباتوا ينشدون حياة كريمة ولائقة على كل المستويات الحياتية وتأمين مستقبل أفضل لأولادهم كي يثبتوا في وطنهم ولا يتحولوا الى طاقات وكفاءات معدّة للتصدير الى الخارج …

ومن جهة ثانية صار الاقتصاد هو موضع القلق الرئيسي ومصدر خطر اساسي على الاستقرار في لبنان، ولا نبالغ اذا قلنا ان هناك تلازماً بين أولويتين هما الأمن والاقتصاد… وان الحراك الشعبي في هذه الفترة، لهو ابلغ دليل الى التبدل الحاصل في قناعات وأمزجة وأولويات اللبنانيين. كما ان الحذر الدولي في التعاطي مع الدولة اللبنانية وتقديم الدعم والمساعدات المالية والاقتصادية لهو دليل ساطع ايضاً الى عدم الثقة بالطريقة التي تُدار بها المشاريع وتصرف فيها الأموال.

وبالامس عدّل التصنيف الائتماني السيادي للبنان من «مستقر» إلى «سلبي» نتيجة الوضع السياسي الشاذ الذي يعيشه لبنان، وهذا ما جعل رياض سلامة يحذر من ان اي تدنٍ جديد في مستوى التصنيف سيؤذي العملة اللبنانية.

اما اين يقف رياض سلامة اليوم من الاستحقاق الرئاسي ؟

على رغم قناعتي الراسخة بأن لا الظروف ولا المعادلات الاقليمية ولا التوازنات السياسية والطائفية الداخلية تسمح بانتخاب رئيس على المدى المنظور…

الا ان المعلومات تقول انه اذا حصلت اعجوبة وذهبنا الى انتخاب رئيس فان هناك فريق سياسي لا يرى امكانية الاستغناء عن رياض سلامة وخبراته وصدقيته في هذه الظروف الدقيقة والحساسة على المستويين المالي والاقتصادي، وان هناك صعوبة في ايجاد بديل عنه يكون مقنعاً وموثوقاً به على المستويين المحلي والدولي فيما إمكانية الإتيان برئيس جديد تظل اسهل وايسر بكثير من الإتيان بحاكم جديد لمصرف لبنان …

وهناك فريق سياسي آخر يرى انه رغم خطورة الملفات والهموم المعيشية والاقتصادية والمالية الا ان دور رياض سلامة لم يحن بعد، كون المرحلة وظروف المنطقة تبقى وبامتياز مرحلة سياسية – امنية – عسكرية في خضّم هذه الأوضاع الحربية الخطرة والمعقدة التي تعيشها بلدان الجوار وفي مرحلة اعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة بأسرها…

وهناك فريق سياسي يقول انه لا امكانية اليوم في ظل الصراعات السياسية الداخلية والاقليمية الى تعديل الدستور من اجل وصول رياض سلامة الى سدة الرئاسة، وهناك فريق سياسي آخر يقول ان سلامة ليس بحاجة الى تعديل دستوري كون الطائف لم يلحظ في النص ان حاكم مصرف لبنان هو من بين موظفي الفئة الاولى لذلك فان البند الذي ينص على ضرورة الاستقالة من الوظيفة قبل سنتين لا ينطبق عليه.

فأي اولويات وضرورات وحاجات وظروف تفرض نفسها في المرحلة المقبلة واي مواصفات رئاسية تتناسب معها؟ وهل تنطبق على رياض سلامة «صمام الامان النقدي والمالي» مواصفات «رجل المرحلة» ؟

هذا ما ستجيب عنه الظروف والضرورات وهذا ما سيظهره المستقبل، هناك مثل عربي يقول: اصبر لها لعلها ولعل من عقد الامور يحلها.