هل يكون القرار الروسي مقدِّمة لإخراج «المقص الدولي» والعبث بالخارطة السورية؟
لا شيء استثنائياً على المستوى الرئاسي بانتظار التقارب السعودي – الإيراني
تطوّرات المشهد الإقليمي تفرض الإبتعاد قدر الإمكان عن الخيار التصادمي في لبنان
لم تستطع الصحون اللاقطة اللبنانية تحديد الهدف الرئيسي مِن وراء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب الجزء الأساسي من القوات الروسية في سوريا، واقتصرت قراءة خلفيات وأبعاد هذا الإجراء على التحليل والتكهن، وتلاقت معظم الاجتهادات على أنه قرار دولي منسّق يأتي في سياق الضغط على الجميع من أجل الذهاب إلى مؤتمر جنيف والركون إلى الحل السياسي بعد تمتين أواصر الهدنة التي تتعرّض يومياً للخروقات، حيث أن أصحاب هذا الاجتهاد يميلون إلى دعم فكرة أن تكون روسيا ومعها أميركا قد قرّرتا بجدية هذه المرّة إرساء الحل السياسي في سوريا بعد أن طال أمد هذه الأزمة التي بدأت تظهر لها تداعيات خطيرة على امتداد القارة الأوروبية نتيجة النزوح السوري العشوائي إليها.
وفي الوقت الذي رحّبت فيه طهران بالقرار الروسي ورأت بأنه داعم للهدنة القائمة ومساعد على انطلاق مؤتمر جنيف مجدداً، فإن بعض الأوساط اللبنانية تخوّفت من أن يؤدي هذا القرار المفاجئ إلى قلب موازين القوى وإعادة خلط الأوراق مجدداً في المنطقة وهذا بدوره سيؤدي بالتأكيد إلى إطالة أمد الأزمة السياسية بكل مندرجاتها، من الاستحقاق الرئاسي إلى قانون الانتخاب وصولاً إلى أصغر ملف خلافي.
وإذا كانت هذه الأوساط تفضّل الآن عدم الغوص في الحديث عن تداعيات هذا التطوّر، فإنها ترى أنه ما من شك أنه يجب على المستوى اللبناني إعادة قراءة المشهد الإقليمي بدقة ورؤية مختلفة، كون أن الحديث عن إخراج «المقص» الدولي من الأدراج والتحضير لإعادة رسم خارطة جديدة في المنطقة لم يعد مجرّد تكهنات بل هو يُبحث بجدّية لدى دول القرار ولن يكون لبنان بعيداً عن تداعياته.
ولدى سؤال هذه الأوساط عما إذا كان هذا الأمر يسرّع في إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية فإنها تسارع إلى القول بأن الحدث السوري في الوقت الحاضر لا يحفز على ولوج الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، وأن هذا الأمر له أبعاد تتجاوز الحل السوري إلى ما هو اعمق من ذلك وهو العلاقة الإيرانية – السعودية التي وصلت إلى أعلى منسوب من التوتر، وما دام هذا التوتر يأخذ منحى تصاعدياً، فإن الاستحقاق الرئاسي لن يبصر النور في فترة وجيزة، وفي حال طرأ ما يغيّر الأحوال على هذا المستوى لا سيما وأن هناك اخباراً متداولة عن إمكانية لقاء إيراني – سعودي خلال الأسابيع المقبلة، فإنه يصبح من الممكن انتخاب رئيس خصوصاً وأن المشهد الرئاسي على المستوى الداخلي بات واضحاً وأن هناك إمكانية لإتمام العملية الانتخابية في ما لو توافر العامل الإقليمي والدولي الذي ما زال غائباً عن السمع حتى هذه اللحظة.
وبانتظار حدوث هذه المتغيّرات فإن الأوساط لا ترى إمكانية لحصول أي شيء استثنائي على المستوى السياسي في لبنان، مع ترك الباب مفتوحاً امام أي مفاجآت كالتي ينتظرها الرئيس نبيه برّي الذي على ما يبدو لديه معطيات ما، في ما خص رهانه على اللقاء السعودي – الإيراني، وكذلك الرئيس سعد الحريري الذي أعلن على الهواء بأنه يتوقع انتخاب الرئيس في نيسان المقبل.
وإلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الخطوة الروسية في سوريا، فإن كل شيء سيبقى على ما هو عليه، وأن لبنان سيبقى في مربع الانتظار والتريث علّه يستفيد من أي رياح حلول سياسية يمكن ان تهب على المنطقة من البوابة السورية، وهذا الأمر بالتأكيد لا يجوز ان يجعله يقف متفرجاً بانتظار الفرج بل عليه، وفق هذه الأوساط، ان ينصرف إلى ترتيب بيته الداخلي ليكون مهيئاً للتعامل مع أي تسوية ستفرض على المنطقة، وإذا كان غير قادر على انتخاب الرئيس في ظل الظروف الراهنة، فهذا لا يمنع من الذهاب إلى وضع قانون جديد للانتخابات، وإجراء الانتخابات البلدية، والابتعاد قدر الإمكان عن الخيارات التصادمية التي تزيد الأمور تعقيداً في ظل هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان.
وتتوقع هذه الأوساط ان تلجأ الحكومة في هذا الوقت الفاصل عن التسوية التي تعد في المطابخ الدولية للمنطقة إلى تفعيل عملها وإسقاط أي فكرة لاستقالتها في هذه الظروف، وبوادر هذا الشيء ظهرت مع الإجماع الذي حصل على حل أزمة النفايات والذي نزع صاعق تفجير الحكومة من الداخل.
وفي تقدير الأوساط ذاتها ان الملف الثاني الذي ستوليه الحكومة الاهتمام الكبير هو ملف النازحين حيث ستكون للجنة الوزارية المكلفة بهذ الأمر اجتماعات مكثفة مع قابل الأيام، وهو سيكون في مقدمة البنود التي ستدرج لبحثها مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يزور لبنان في الأسبوعين المقبلين، والذي كان قد اعرب عن قلقه من ان لا يعود لبنان قادراً على الاستمرار في استيعاب هذا النزوح ما لم تسارع الدول المانحة إلى تزويده بالأموال التي يحتاجها على هذا الصعيد.