لا بد أن الرئيس ترامب وهو يستجمع ما يرى التحادُث في شأنه مع الملك سلمان بن عبد العزيز في هذه الزيارة الأُولى له خارج الولايات المتحدة، ومن أجل ذلك يجب أن تكون مثمرة، طلب من الحلقة الأكثر قرباً وإحاطة بطبيعة الحُكْم السعودي وخصوصية شعب المملكة أن يسجلوا في تقرير الأفكار والملاحظات التي يفيد الأخذ بها.
فالزيارة التي أرادها تتميز عن أي زيارات قام بها إلى المملكة عدد من رؤساء الولايات المتحدة سائرين في هذه الزيارات على هُدْي القمة السعودية- الأميركية الأُولى التي تمت يوم 14 شباط 1945 فوق طرَّاد رسا في البحيرات المرة في مصر بين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والرئيس الأميركي الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت. ولذا كان هنالك إستحضار لملفات القمة الأميركية- السعودية الأُولى قبل 72 سنة، وكذلك إستحضار مراسلات تمت لاحقاً بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي ومعظمها حول القضية الفلسطينية.
ولا بد أن هؤلاء لخصوا للرئيس خلاصة رؤى الملك المؤسس حول هذه القضية التي تشغل البال الإسلامي – العربي عموماً وأهل الحُكْم السعودي من أبناء الملك عبد العزيز، والذين في الموضوع الفلسطيني كما أخيهم الملك السادس عبدالله رحمة الله عليه صاحب «مبادرة السلام العربية» وكيف حقق في القمة العربية الدورية في بيروت (2002.3.28) إجماعاً حول القبول بها خارطة طريق لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي .
كما لا بد أخذ مستشارو الرئيس ترامب في الإعتبار نقاطاً حددها الملك سلمان في الخطاب الأول له الذي هو «خطاب البيعة» ألقاه يوم الثلاثاء 15 آذار 2015 في «قصر اليمامة» بحضور نخبة من المسؤولين والعلماء. و«خطاب البيعة» هو النهج الذي لخصه الملك سلمان بالنقاط الآتية: «إلتزام السياسة الخارجية للمملكة بتعاليم الدين الحنيف. الإلتزام بالمعاهدات والإتفاقيات الدولية. إحترام مبدأ السيادة ورفْض أي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة. الدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعى وتسعى إليه المملكة دائماً من أجْل أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. العمل على تحقيق التضامن العربي الإسلامي بتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما».
مِن قبل أن يترأس ترامب كانت هذه خارطة طريق المملكة. ومثل هكذا نهج سياسي يستوجب ما هو أكثر من التفهم من جانب المجتمع الدولي وبالذات من الدول ذات التأثير في صياغة رؤية موضوعية للتعامل. لعل أميركا الترامبية تأخذ بعد هذه الزيارة في الإعتبار ما هو مطلوب منها بمثل ما هو مطلوب من روسيا البوتينية وذلك بأن لا تصوِّب الأُولى سلاح « الفيتو» على مشروع قرار لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي يستند إلى «مبادرة السلام العربية» أو حتى تكون المبادرة هي مشروع قرار يتم تقديمه بإسم الجامعة العربية ما دامت – أي المبادرة- حظيت بموافقة إجماعية عليها، وأن لا يتواصل تصويب الثانية، أي روسيا بوتين، سلاح «الفيتو» على أي مشروع قرار يستهدف تهدئة الأحوال في سوريا ووضْع نهاية للمحنة على أساس تسوية موضوعية.
في حال إرتأى ذلك الرئيس ترامب بعد جولته التي بدأت في السعودية ثم إسرائيل ولقاء الرئيس محمود عباس في بيت لحم مختتماً الجولة بلقاء البابا في الفاتيكان، لن يجد من الأمة سوى الشكر والتقدير، كما لا بد سيحذو الرئيس بوتين حذوه، وعندها ستجد إيران في ضوء بداية صحوة أفرزتْها الإنتخابات الرئاسية والبلدية وأوضحت أن كفة إيران الوسط هي التي رجحت وستزداد رجحاناً بعد الآن,أن لا جدوى من سياسات ربع قرن مضى. وأما الثلاث الباقيات الصين البعيدة النظر وبريطانيا المنقلبة على أوروبيتها وفرنسا الجديدة التي ستبقى حتى إشعار آخر في دائرة الصراع المجتمعي الشديد الوطأة، فإن «مسدس الفيتو» في أيدي كل من الدول الثلاث ضد قضايا العرب والمسلمين نادر الإستعمال.
من باب التفاؤل بإعادة النظر نحو الأحسن، ربما نجدها تحدُث. ولقد إعتادت الأمة طوال معظم سنوات القرن الذي مضى على التحمُّل بأمل حصول التفاؤل الذي يعقبه ما هو المأمول حدوثه. ولن يضيرها في شيء الرهان الجديد وإختبار نوايا «العم سام» الحالي دونالد ترامب الذي إذا هو أخلص النية والسعي سيتقدم مرتبة على الرئيس جيمي كارتر الذي يواصل في شيخوخته إبتهاجه بأنه أنجز إختراقاً نوعياً في الصراع العربي- الإسرائيلي الذي يحتاج إختراقاً مِن النوعية ذاتها أو إلى إختراقات متوازنة توصِل في النهاية إلى أن السلام سينشر ربوعه في المنطقة التي يكفيها هذا التلاعب الدولي بمصير كياناتها وطمأنينة شعوبها.