يحقّ للبنانيين أن يضعوا أيديهم على قلوبهم. فالحكومة السلاميّة والحوار السنّي- الشيعي والهدوء النسبي كلها من ثمار الهدنة السعودية- الإيرانية. فهل سيكون الإستقرار اللبناني مهدَّداً، سياسياً وأمنياً، إذا سقطت الهدنة؟
ثمة تحوّلات مهمة طرأت على خريطة الصراع الإقليمي: إيران بادرت إلى الهجوم في عقر دار «الخليج العربي»، فانتظرها كثيرون من باب البحرين… لكنها أطلَّت من نافذة اليمن، الجار اللصيق جغرافياً وديموغرافياً، والحيوي إستراتيجياً للمملكة العربية السعودية.
عملياً، يبدو اليمن متّجهاً إلى نوع من أنواع التقسيم: الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تعترف به الرياض، بات يُدير اليمن من عدن، فيما صنعاء تحت سيطرة الحوثيين. وطبعاً، ستكون هناك مناطق تعترف بالشرعية هنا أو هناك، ما يؤدي إلى حال من إثنين: إما إشتعال حربٍ أهلية لا هوادة فيها، وإما الرضوخ للوقائع ونشوء سلطتين على الأرض تتقاسمان اليمن.
كان الإنقلاب الحوثي في نهايات عهد الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز. وثمّة لغز في سرعة إنهيار صنعاء والمناطق اليمنية المحاذية للمملكة في أيدي الحوثيين، والدور الذي إضطلع به الرئيس السابق علي عبدالله صالح في هذا المجال.
لكنّ الملك السعودي الجديد سلمان بدأ عهده بإندفاعة قوية تواجه، على قدم المساواة، إيران و»داعش»، فاتحاً جسور التعاون بين القوى السنّية الأساسية: السعودية، تركيا، مصر والأردن، مع التأكيد على الإحتفاظ بالكلمة الأولى للمملكة، داخل المجموعة العربية.
في المقابل، يردّ الإيرانيون بالمسارعة إلى تثبيت دورهم الإقليمي، ليس فقط في العراق وسوريا ولبنان، بل أيضاً وخصوصاً في اليمن، حيث يكشفون تدريجاً أوراقهم الخفيّة، الداعمة للحوثيين من خلال التواصل الجوّي الحثيث على خط صنعاء- طهران. وهذا الأمر يستثير المملكة العربية السعودية وحليفاتها الخليجيات في شكل هائل، إذ يسود إعتقاد بأنّ طهران قد تكون دخلت في لعبة خليجية خطرة، هي لعبة زعزعة الإستقرار.
واللافت في الأيام الأخيرة دور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، في المعارك الجارية في العراق ضدّ «داعش»، ولاسيما الإشراف على تحرير تكريت من أيدي هذا التنظيم. ومعلومٌ أنّ هذه المدينة ذات الغالبية السنّية هي مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين، وهي تحمل رمزية مهمة في هذا المجال.
أما في سوريا، فيشرف الإيرانيون ميدانياً على إدارة المعارك على مختلف الجبهات، بدءاً من الجبهات الغربية المحاذية للحدود مع لبنان. أما على الجبهة الجنوبية فكشفت الضربة الإسرائيلية الأخيرة، التي أدّت إلى سقوط مقاتلين لـ«حزب الله» وضابط إيراني رفيع، أنّ إيران لاعب أساسي هناك.
في ظلّ إرتفاع وتيرة التنازع السعودي- الإيراني، يجدر التفكير جيداً في ما سيفعله الأميركيون.
وحتى اليوم، سارع سفيرهم إلى الرئيس اليمني في عدن وأعلن وقوفه إلى جانب الشرعية التي يمثِّلها، في مواجهة الحوثيين وطهران. أما سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة فكانت تُطمئِن ضيفها بنيامين نتنياهو إلى أنّ الولايات المتحدة لن تسمح لطهران بإمتلاك السلاح النووي.
قبل أشهر، عندما بدأت تظهر ملامح التفاهم الأميركي- الإيراني حول البرنامج النووي، أُصيب السعوديون بصدمة كبيرة من حليفتهم واشنطن، وعبّروا عن سخطهم من سياستها تجاه طهران النووية، كما تجاه حليفها الرئيس بشار الأسد. وخلال هذه الفترة، مدَّ السعوديون خطوطاً مع موسكو لتوجيه رسالة إلى الأميركيين.
لذلك، يجدر طرح السؤال اليوم كالآتي: هل إنّ تشجيع واشنطن للسعودية على بناء حلف إقليمي وإطلاق المواقف الحاسمة ضدّ إيران يهدفان فعلاً إلى دعم الرياض، أم إنهما مجرد قناع لتغطية التهاون الأميركي المستمرّ منذ سنوات طويلة في التعاطي مع الملف النووي الإيراني؟
وهل سيؤدّي أيّ إتفاق أميركي- إيراني على النووي إلى إطلاق يد إيران في المنطقة أم إلى تسوية بين المحاور؟ وهل هناك فعلاً بنود سرية ستؤدّي إلى منح إيران حرية التحرك في الشرق الأوسط؟
يجدر التفكير عميقاً في ما تريده واشنطن من الشرق الأوسط، وكيف تنظر إلى الخريطة. لكنّ الواضح أنّ تنازع القوى الإقليمية، بين الإمبراطوريات البائدة وأحلام الإمبراطوريات الصاعدة: إيران، تركيا وإسرائيل، سيُكرّس شرذمة العرب الذين إنقلب عليهم الدور بعد مئة عام وصاروا هم «الرجل المريض»!