تأتي العواصف باكراً هذا العام في الشرق الأوسط مع إصرار الولايات المتحدة على تشديد العقوبات على إيران، مع كل ما يعني ذلك من تصعيد محتمل على أكثر من ساحة إقليمية، إضافة إلى معركة إدلب، والتي تنذر بفصل جديد من شد الحبال الدولي في حال وقوعها… بينما تبقى جروح اليمن والعراق مفتوحة تنزف وتستنزف ثروات المنطقة وطاقاتها البشرية… وفي حين يجد لبنان نفسه في عين العاصفة بسبب انخراط فريق من السلطة في حربي سوريا واليمن وارتباطه العضوي والمعنوي بإيران مع كل ما يترتب على ذلك من انعكاسات لا يمكن الا ان تكون سلبية في هذه المرحلة الدقيقة, لا تزال المساومات والمقايضات تتحكم بعملية التشكيل، يرافقها حملات من التهويل على صلاحيات رئيس الحكومة وتهديد بانقضاء المهل, أي بمعنى آخر بسحب تكليف الرئيس الحريري بشكل مناف للدستور ولأحكام الطائف.
ولم يكتفِ المعطلون لتشكيل الحكومة بالتشويش السياسي الذي لا يمثل أكثر من صخب لا طائل منه، فتجاوزوا عن الارتدادات السلبية على الاقتصاد المتهالك وأمعنوا في جرّ البلاد إلى مفترق المحاور، حيث يبقى لبنان الخاسر الأكبر منها، خاصة بعد فشلهم في الالتزام بسياسة النأي بالنفس والإمساك بالفرص الاقتصادية التي ضاعت، والجبهات الدولية التي فتحت، والويلات الاجتماعية التي ترتبت على ذلك!
كيف تخطط الطبقة السياسية لمواجهة هذه المرحلة في ظل غياب حكومة تعلن انطلاقة العهد المنتظرة، وما سيكون مصير مقررات مؤتمر «سيدر» إذا ما استمر هذا الفراغ، والذي لن تستطيع جلسات التشريع أن تحل مكانه، خاصة أن انعكاسات الحرب السورية المستمرة من خلال أزمة النازحين قد أنهكت القطاعات الاجتماعية والصحية والتربوية، إضافة إلى اقتصاد متهالك استنزفته حالة اللااستقرار المستمرة من جهة، ومرض الفساد المستشري والمُطبق على واردات الدولة من جهة أخرى؟
إنها لائحة طويلة لأزمة غير مسبوقة، يحذر منها المسؤولون قبل أن يطلق الشعب صرخته، ولكن من دون أن يكون هناك نية رسمية، ولا رؤية واضحة للخروج منها, في حين أن كل من ارتبط بأجندة خارجية بات في آخر سلم أولوياتها لأن المواجهة الدولية الحاصلة في المنطقة تحولت إلى معركة مصيرية بشكل أو بآخر.
لن تنفع المناورات ولا المحاصصة الوزارية، ولا الأحجام، إذا ما انتفت الحاجة لوجودهم في حال سقط لبنان في هاوية الإفلاس المالي كما تحذر المؤشرات المحلية والخارجية, أو الانهيار السياسي في حال عجزت هذه الطبقة عن تجاوز المصالح الضيّقة بهدف توحيد الصف الداخلي في مواجهة التحديات المقبلة، بل ستتحول الدولة اللبنانية من عاجزة إلى مارقة حيث تقفل أبواب الدعم الدولي في المستقبل، في وقت لبنان أحوج ما يكون إليه!
فهل يتحرّك الفريق «القوي والأقوى» وكل من يحلو له أن يطلق على نفسه الألقاب التي ستبقى فارغة إلى أن تنجح في إخراج لبنان من هذا الكابوس، وإعادة توحيد الصف، بعدما عادت بوادر الانقسام العامودي تلوح في الأفق, أم أن الالتزام الخارجي والمصالح الخاصة أقوى من أي شعار، وأهم من الوطن؟؟