Site icon IMLebanon

هل تؤدي «التحالفات المختلطة» الى انتخاب رئيس

يحاول السياسيون في لبنان تشكيل تحالفات جديدة فيما بينهم لفرط عقد 8 و14 آذار كون أي من هذين الفريقين لم يتمكّن من بلوغ الأكثرية التي تخوّله انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النوّاب، أو اتخاذ القرارات في الحكومة على أساس الغالبية الحاكمة فيها، ما جعل البلاد تُشلّ سياسياً لفترة طويلة. وإذا كان الأمر قد تحلحل على صعيد إعادة الحياة للحكومة وعقد جلساتها مجدّداً، لكنّ أحداً لا يضمن التوافق بين أعضائها على الملفات المطروحة كافة على جدول أعمالها، كما أنّ موضوع الاستحقاق الرئاسي لا يزال يُدرس على أكثر من جبهة.

فاتفاق رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع على ورقة «إعلان النيّات»، قبل التفاهم الحاصل أخيراً حول الملف الرئاسي، فتح شهية الأطراف اللبنانية، على ما تقول أوساط سياسية عليمة، على تحالفات مضادّة، لكي لا يتمكّن الزعيمان المسيحيان من السيطرة على بقية الأطراف. فتوافق عون- جعجع الذي حصل منذ الربيع الماضي (في 2 حزيران 2015)، أزعج رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية، وإن لم يُعلن ذلك صراحة، وبدلاً من أن يكون طرفاً ثالثاً فيه، اعتبره يُضعف علاقته بالجنرال كحليفين مسيحيين قويين. ولهذا سارع فرنجية الى عقد التسوية مع حليف جعجع، رئيس الحكومة الأسبق النائب سعد الحريري.

فكما تُشكّل في الانتخابات النيابية عادة لوائح مختلطة عندما يتعذّر التوافق على لائحة واحدة لا تضمّ الأطراف التي يوافق عليها الجميع، دخل لبنان زمن التحالفات المختلطة، إذا صحّ التعبير، من فريقي 8 و14 آذار، على ما تضيف الاوساط، علّ هذا الاختلاط يحلّ بعض الأزمات أو يؤدّي بالدرجة الأولى الى انتخاب رئيس الجمهورية. لكنّ هذا الأمر لا تزال تستبعد الأوساط نفسها حصوله، لأنّ أياً من هذه التحالفات الجديدة لا يقف على أسس ثابتة باستثناء الورقة الخطية التي تمّ التوافق والتوقيع عليها بين عون وجعجع، وحتى هذه وإن كانت خطية من الممكن أن يتمّ نقضها في ظرف ما، غير أنّها تبقى أفضل من التسويات الأخرى غير القائمة على تفاهم خطّي، أو إعلان رسمي لقيام تحالف ما.

ما يظهر اليوم على الساحة السياسية، أنّ قرب عون- جعجع، أبعد فرنجية عن الأول، والحريري عن الثاني، ما جعل الاثنان يتقاربان، علّهما يتمكّنان من حلّ مشكلة الشغور الرئاسي الذي تعيشه البلاد منذ سنة وثمانية أشهر، ومن المرجح أن يطول لعدة اشهر عدّة بعد. غير أنّ تحالف عون جعجع لم يُبعد «حزب الله» عن الجنرال حتى الآن، والدليل أنّ الحزب أعاد التأكيد أخيراً من بكركي على أنّ عون هو مرشحه، لكنّه لم يُقرّب الحكيم من الحزب في الوقت نفسه. الأمر الذي لا يزال يطرح بعض التساؤلات حول ما سيكون عليه هذا التوافق في المستقبل، فهل يقترب جعجع من الحزب، ليُشكّل الثلاثة معاً قوة سياسية قد تكون غير مسبوقة في البلد.

أمّا في ما يتعلّق بالتسوية التي حاول الحريري تمريرها (رغم اتهامه نظام الرئيس بشّار الأسد باغتيال والده)، بترشيح فرنجية (الداعم الأول للنظام السوري في البلاد) ومحاولة دعم وصوله من الأطراف المؤيّدة له، مثل نوّاب تيّار المستقبل ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وبطبيعة الحال رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي توتّرت علاقته في الآونة الأخيرة مع الجنرال عون، فلم تلقَ الدعم المناسب لها، كون الحريري وجنبلاط يرفضان ضمناً وصول من يُمثّل الرئيس الأسد في لبنان الى قصر بعبدا. غير أنّ محاولة الحريري، على ما تضيف الأوساط السياسية، أتت لإفهام جعجع أنّه من الممكن أن يجد بديلاً مسيحياً عنه في فريقه السياسي، وإن كان الحليف الأول لخصمه في البلاد.

أمّا في ما يتعلّق بالقادة المسيحيين الأربعة الذين اجتمعوا في بكركي برعاية الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي بهدف الاتفاق على اسم من بينهم ليكون رئيس الجمهورية العتيد، فلم يتمكّنوا من الاتفاق كون كلّ منهم، بحسب ما ترى الأوساط، يرى نفسه الأكفأ والأجدر لهذا المنصب في المرحلة الراهنة. والدليل أنّ أياً منهم لم يسحب ترشيحه لمصلحة الآخر. فجعجع سيُقدم على هذه الخطوة في حال أعلن رسمياً ترشيحه للعماد عون، أمّا الرئيس الأسبق أمين الجمّيل فلا تزال «الكتائب اللبنانية» وبعض وزرائها يطرحون اسمه كمرشح توافقي يُناسب المرحلة. فيما النائب فرنجية قد وافق على تخطّي ترشيح العماد عون، في حال حصل الإجماع على انتخابه رئيساً.

من هنا، لا تجد الأوساط أنّ اتفاق عون- جعجع كافي لتقديمه الى الشريك المسلم في البلاد، الذي نادى باتفاق المسيحيين أولاً على اسم الرئيس، لكي يوافق عليه ثانياً بدوره، بل يبقى ناقصاً ويحتاج الى تأييد كلّ من فرنجية والجميّل لترشيح العماد عون. وقد تصبح الأمور أسهل في حال حصول ذلك، لكن بعد أن منّى فرنجية النفس أخيراً بإمكانية تخطّي الجنرال، ولا يزال الرئيس الجميّل يطرح نفسه كمرشّح توافقي، فلا هذا ولا ذاك سيوافقان على إيصال العماد عون الى القصر الرئاسي.

ولهذا يحاول عون وجعجع بعد توافقهما على «إعلان النيّات» الحصول على ما يكفي من أصوات نيابية مؤيّدة لهما لإيصال الجنرال، مع العلم أنّهما يحتاجان بالتالي الى تأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة الانتخاب، وهذا ما قد يُعرقله الحريري، وفرنجية وحلفاؤهما في حال بقيت الأمور متشنّجة بين حلفاء الأمس.

بناء على هذه المعطيات، تستبعد الأوساط ذاتها أن يتمكّن أي تحالف جديد، حتى الآن، من أن يُميل دفّة الميزان لمصلحته، من دون حصول توافق عام على ضرورة تمرير الاستحقاق الرئاسي، وإيصال الرجل المسيحي الأقوى الى سدّة الحكم.