بعيداً عن الخطابات النارية، والصرخات الإنفعالية، وكل التهجمات الشخصية على المملكة العربية السعودية وقيادتها ورموزها الدينية والوطنية، لا بدّ من تأكيد حقيقة صريحة وواضحة وحاسمة:
الأكثرية الساحقة من اللبنانيين هي مع المشروع العربي، وضد المحور الإيراني الذي يعبث بأمن واستقرار أكثر من دولة عربية.
المسألة لم تعد محصورة بأزمة اليمن، ولا بإطلاق عمليات «عاصفة الحزم» لإعادة التوازنات اليمنية إلى نصابها الطبيعي، وإيقاف التمدّد الإيراني في خاصرة الخليج الرخوة!
القضية ليست بقيام تحالف عربي قوي، حظي بدعم من أكبر دولتين إسلاميتين: تركيا وباكستان، ثم حصل على تأييد دولي شامل، وغير مسبوق، عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي وضع الحوثيّين وحلفاءهم تحت الفصل السابع، في إجماع نادر في تاريخ الهيئة الدولية الأولى في العالم.
قلق المحور الإيراني وأطرافه اللبنانية والقُطرِية الأخرى، لا يعني الخوف على الحوثيّين وحدهم، وعلى فشل الإنقلاب المشبوه في اليمن،
المسألة والقضية والقلق، وكل هذه «الهيصة» الإيرانية، التي اتخذت من «حزب الله»، للأسف، منبراً لها في لبنان، أن «عاصفة الحزم» دقّت ساعة قيام المارد العربي من سباته العميق، مُعلنة إنتهاء مرحلة التفرّج على التمدّد الإيراني، وانتظار نتائجه الكارثية في أكثر من دولة عربية، ورافعة القبضة العربية بقوّة، ضد المشروع الإيراني، وأخطاره المحدقة بأمن واستقرار المنظومة العربية.
* * *
مع بداية الأسبوع الرابع لبدء العملية العسكرية في اليمن، يمكن القول أن ما كان مقبولاً، أو على الأقل مسكوتاً عنه، قبل عاصفة الحزم، لم يعد مقبولاً بعدها، ولا يجوز السكوت عنه بعد اليوم.
الحدّ من الإندفاعة الإيرانية في اليمن، يعني توجيه ضربة قويّة للمشروع الإيراني في المنطقة العربية، وبداية الخروج من أنفاق الحروب المذهبية والعنصرية التي فجّرها التدخّل الإيراني في الإقليم، فضلاً عما يعني كل ذلك، من استعادة للمبادرة العربية، في إدارة شؤون الإقليم، والحفاظ على مصالح دوله وشعوبه، بعيداً عن محاولات الهيمنة والسيطرة لمصلحة أحلام «الإمبراطورية الفارسية»، التي بشّرنا بها علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني.
ولعلّ هذا الإحتمال بالذات، في طليعة العوامل التي دفعت طهران لاستنفار حلفائها في لبنان، وفي المقدمة حزب الله، الذي ذهب أمينه العام بعيداً في انفعالاته المضطربة، وفقد السيطرة على تهجماته الشخصية على القيادة السعودية، بعدما افتقد قوة المنطق والتحليل السياسي، للدفاع عن الإنقلاب الحوثي، والدعم الإيراني المطلق للأقلية التي حاولت فرض خياراتها على الشعب اليمني بكامله.
لقد غاب عن الأمين العام لحزب الله، أن لغة التهديد والوعيد لا تُخيف دولاً، ولا تُغيّر استراتيجيات، وأن حشر القضية الفلسطينية في السياسة الإيرانية لم يعد ينفع في تغطية المخططات الإيرانية الحقيقية التي أدّت الى هذا الإنقسام العقيم في الجسد الفلسطيني، وأضعفت السلطة الفلسطينية في تصديها لمخططات التوطين وزرع المستعمرات في الأراضي الفلسطينية.
* * *
المملكة العربية السعودية ليست بحاجة إلى من يدافع عنها أمام تهجمات نصر الله الخارجة على أبسط آداب الخطاب السياسي، والمتعارضة مع بديهيات مبادئ الدين الحنيف، أرض الرسالة لها رب يحميها.
ولكن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تضع أيديها على قلوبها، خوفاً على مصير أكثر من نصف مليون عائلة لبنانية، تعيش من جنى معيليها في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وتشكل تحويلاتهم المالية أكثر من ستين بالمئة من مجموع التحويلات المتدفقة إلى لبنان سنوياً.
لا شك أن حكمة القيادة السعودية، ومع القيادات الخليجية الأخرى، هي أكبر من أية ردود فعل عشوائية تتخذ طابع الثأر الجماعي من اللبنانيين العاملين في دول الخليج العربي.
ولكن ضيق اللبنانيين المقيمين في دول مجلس التعاون، والإحراجات العديدة التي يعانونها، بسبب المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله، بدأت تصل أصداؤها إلى عائلاتهم في لبنان، الذي تتضاعف مشاعر القلق على مستقبل أولادهم يوماً بعد يوم.
ويشكل وصول الدفعة الأولى اليوم من الأسلحة الفرنسية المموّلة من المنحة السعودية المليارية للجيش والأجهزة الأمنية الشرعية، ردّاً عفوياً وعملياً في آن، على الإفتراءات الإيرانية، حيث يتم تسليم الأسلحة المتطورة الجديدة على بعد أمتار من موقع خطابات أمين عام حزب الله، ليؤكد للبنانيين، بل للعالم أجمع، مدى حرص المملكة السعودية على دعم مشروع الدولة في لبنان، وعلى مساندة القوى الشرعية في حربها ضد الإرهاب، وفي تقديم كل عون للحفاظ على أمن واستقرار الشقيق الصغير، دون أي تدخّل بشؤونه الداخلية، بل دون منّة أو جميل يطوق الأعناق، ويطالب بالبدائل والمواقف المتعارضة مع مصالح شعبه ودولته.
* * *
«عاصفة الحزم» بداية عصر عربي.. شاء مَنْ شاء، وأبى.. مَنْ أبى. ولن يستطيعوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، مهما بلغ جبروتهم!