أن تصب المواقف السياسية على اختلافها في خانة التأكيد أن البلاد دخلت مرحلة الاستحقاق الرئاسي، لا يعني بالضرورة أن ثمة معطيات جدية في هذا السياق.
تعوّل مراجع سياسية على ان يحمل شهر نيسان المقبل إنفراجا في المشهد السياسي المأزوم داخلياً. وهي بذلك تقيم على إقتناع بأن يحمل ملف المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران في جلسته المقبلة المرتقبة نهاية آذار الجاري نتائج تحقق اختراقاً في الشأن اللبناني يؤدي الى تسهيل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ويعزز هذا الانطباع تقدم الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” الذي قارب في جلسته الأخيرة الملف الرئاسي، ما أوحى بأن ثمة حلحلة قد يشهدها هذا الملف في المدى المنظور.
لكن هل هذه الانطباعات في محلها، وهل يمكن الركون الى معطيات واقعية تستند إليها المراجع السياسية المشار إليها لتحريك الركود وملء الشغور الرئاسي الذي دخل شهره العاشر في ظل إستمرار التعطيل المتعمد لجلسات انتخاب الرئيس؟
لا ترى مراجع بارزة أن ثمة مكان لإنطباعات متفائلة حيال إمكان حدوث خرق في الموضوع الرئاسي. ذلك ان كل المعطيات الداخلية لا تزال على حالها في ظل ثبات كل فريق على موقفه من دون أي تغيير.
وفي حين تبدو قوى ١٤ آذار منشغلة حالياً في ترتيب بيتها الداخلي ورسم خريطة طريق لمأسسة مشروعها السياسي، يتوغل “حزب الله” في إعلان تمسكه بالعماد ميشال عون مرشحاً وحيدا له، كبادرة حسن نية يعرب من خلالها عن حرصه على إنجاز الاستحقاق، فيما عينه على المنطقة وكل اهتمامه يندرج حالياً في الاستعداد لما بعد ذوبان الثلج والمعركة التي سترسم الحدود الجديدة مع التنظيمات الإسلامية المتشددة.
وأياً يكن حجم البعد الخارجي الذي يؤثر في الاستحقاق الرئاسي، وهو لم ينضج بعد، فإن للبعد الداخلي ما يكفي لترجيح كفة إحداث خرق، أو أقله كشف الأقنعة عن المعطّلين الحقيقيين للإستحقاق والأجندة الخارجية التي ينفذونها.
فتعطيل النصاب النيابي لجلسات الانتخاب يتم على يد الفريق المسيحي، على القاعدة التقليدية “أنا أو لا أحد”، فيما الحوار المسيحي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” لم ينجح بعد في الخروج من عقدة الرئاسة التي لا تزال تشكل العائق الأكبر – وخلافاً لما يشاع – أمام إنجاز توافق تاريخي بين المسيحيين يقطع الطريق أمام المستفيدين من الشرذمة والتفكك الراهنين لإبقاء المنصب المسيحي الأول في البلاد شاغرا.
“لن يكون للبنان رئيس مسيحي قبل أن يتبلور المشروع الإقليمي، الذي سيبلور بدوره موقع لبنان فيه”، هذا ما تقوله المراجع البارزة، مضيفة أن الأفق الخارجي لا يزال غير واضح بالنسبة الى لبنان الذي تراجع عن سلم الأولويات الدولية.
أما أبرز المؤشرات التي تعزز الانطباع بأن دخول البلاد مرحلة الاستحقاق لا يعني بالضرورة حصوله، بل إن الشغور قد يمتد أشهراً إضافية قبل أن تتضح ملامح التسوية الخارجية، فهو تضافر الجهود المحلية والدولية بغية إنعاش الحكومة وإخراجها من حالة الموت السريري الذي تعرضت له في الأسبوعين الاخيرين.
وفي رأي هذه المراجع أنه لو وظفت الجهود من أجل عقد جلسة إنتخاب بدلا من عقد جلسة لمجلس الوزراء، لكان اصبح للبلاد رئيس. ولكنه بدا واضحاً أن الأولوية السياسية في الحسابات الدولية، واستطراداً المحلية، يتركز في محورين: الاستقرار في شقه السياسي عبر دعم الحكومة التي تمثل السلطة الشرعية في البلاد، حتى لو تحولت الى تصريف الأعمال كما بدا من جلستها الأخيرة وخلافاً للأجواء الإيجابية التي حرص الوزراء على إشاعتها إلتزاماً لمناخ التهدئة والتفعيل، ثم الاستقرار الأمني ولو في الحد الأدنى، من خلال توفير الدعم الكامل للجيش والمؤسسات الأمنية. أما الأمور الباقية فلا تعدو كونها تفاصيل مملة تملأ الفراغ القاتل في زمن الوقت الضائع.