IMLebanon

«لن تخرج من فمه مبروك يا جنرال»

تخطى الاستحقاق رقماً قياسياً ثانياً: اجتاز البرلمان الموعد 20 لانعقاده بلا انتخاب الرئيس. في 2008 انتخب في الجلسة 20. تجاوز ايضاً الاشهر الستة من شغور عامذاك. يبقى القفز فوق رقم قياسي ثالث: 13 شهراً من شغور 1988

لا يوحي الرئيس ميشال عون وسمير جعجع بأي انطباعات سلبية عن الحوار الدائر بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. لا يتخليان عنه حتماً، ويفيدهما على السواء، وبازاء القاعدتين المتنافرتين كما الافرقاء الآخرين، الا ان اياً منهما لا يلتقي والآخر على خاتمة واحدة له. يريد منه عون تثبيت موقف مسيحي بتأييد انتخابه رئيساً للجمهورية وسابقة انتخاب الاكثر تمثيلاً بين المسيحيين، ويتوخاه جعجع مصالحة بين التنظيمين وتكريس ثنائية الزعامة المتكافئة. التزم الطرفان وثيقة النيات السياسية والوطنية قبل ان يخوضا في الوثيقة الثانية المكملة لها والملزمة، وهي خيارهما في الاستحقاق الرئاسي.

لا اشارات واضحة ودقيقة الى ان وثيقة النيات سيوقعها عون وجعجع على غرار توقيع «ورقة التفاهم» مع حزب الله في شباط 2006، ولا الى الاحتفال بها في مؤتمر صحافي، ولا الى كشف مضمونها ونشره على انها وثيقة تاريخية. كل ما دار بين الرجلين من خلال وسيطي حوارهما ينتظر موقف القوات اللبنانية من انتخاب عون.

اكثر من سبب يبرر عدم استعجال جعجع اطلاق هذا الموقف. وفي الغالب لن يطلقه ابدا:

اقتناعه، اولا، بجدية ترشحه هو للرئاسة. في بداية الترشح في نيسان 2014 عُدّ قرار جعجع خوض الاستحقاق على انه محاولة ترمي الى الالغاء المتبادل لترشحه وترشح عون في وقت واحد، وخروجهما معا من السباق. لم يكن في الامكان تعطيل ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح سوى بآخر وازن وصادم يجعل المرشحين المارونيين القويين وجهاً لوجه، ما يحيل انتخاب اي منهما ــــ في ظل انقسام قوى 8 و14 آذار منهما وخصوصا الموقفين السنّي والشيعي ـــ مستحيلا.

عون: ليس ثمة

plan B لترشحي للرئاسة، بل +plan A

يقين جعجع، ثانيا، من ان نيله 48 صوتاً ــــ وكان يتوقع 52 صوتا قبل ان يخذله بعض مَن حسبَهم حلفاء له ــــ في الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس في 23 نيسان 2014 يمثل عفوا سياسيا عنه، يضاهي العفو القانوني الذي ناله عام 2005. ما اسقط آخر الحواجز التي تجعل طموحه الى الرئاسة خيارا مشروعا ومبررا ومتاحا، بل قابلا للحياة حتى.

لانه يلتقي وعون، ثالثا، على قاسم مشترك جدي وقاطع هو ان لا مرشح ثالثا لكليهما حتى اشعار آخر. يراهن كل منهما في حواره مع الآخر على التوصل الى احدهما رئيسا. في فحوى حوار الطرفين ما نسب الى عون قوله ان توافقه مع جعجع على انتخاب رئيس قوي ــــ وكلاهما يعدّ نفسه مرشحا قويا ــــ يعني ان المرشح الثالث لا يتمتع بمواصفاتهما.

يتحدث جعجع باستمرار عن رئيس تسوية، الا ان مفاوضه الى الرابية افصح ردا على سؤال عن المرشح الثالث لرئيس حزب القوات اللبنانية في حال سلّم عون بالفكرة: لا مرشح ثالثا لديه. بدوره رئيس تكتل التغيير والاصلاح الذي يعرف ان ايا من مساعديه لا يجرؤ على مفاتحته بخيار سواه، عقب لدى سؤاله عن خطته البديلة (plan B) بالقول: ليس ثمة plan B، بل +plan A. اجابة وافية لوقف الاسترسال والاستنتاج. مع ذلك، لايام قليلة خلت، سمع عون من احد معاونيه العبارة الآتية: لن تخرج من فمه مبروك يا جنرال.

رد: انت تعرفه اكثر من سواك.

يعرف جعجع، رابعا، ان «لا» يقولها لانتخاب عون رئيسا، او في احسن الاحوال الامتناع عن قول «نعم»، هي لتجنيب حليفه تيار المستقبل قولها. بذلك يسقط الاجماع المسيحي، الماروني تحديدا، على انتخاب عون دونما احراج الفريق السنّي. على وفرة جولات حواره مع الرئيس سعد الحريري، ومعاوني الرجلين مرات تلو اخرى كالوزير جبران باسيل ونادر الحريري، وصولا الى عشاء المعايدة في بيت الوسط اخيرا، لم يقل الرئيس السابق للحكومة لنظيره الرئيس السابق للحكومة ايضا انه يؤيده للرئاسة. لم يقل كذلك انه يرفضه، واكتفى قبل اشهر بارسال اشارات اليه للتحاور مع جعجع كونه الحليف الرئيسي له ومرشحا بدوره للاستحقاق وزعيما مسيحيا يقتضي عدم تجاهله. بالتأكيد يرفض الفريق الشيعي وخصوصا حزب الله ترشيح جعجع والخوض في اي حوار معه مشابه لحوار عون والحريري، وبالتأكيد ايضا يسقط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من حسابه ترشيح الاثنين على قدم المساواة، بيد ان الحريري يحرص على التزام التريث ما يبعث على الاعتقاد لدى بعض معاوني زعيم الرابية بأن خيط الرئاسة لم يقطع بعد.

افضى الحوار الثنائي، خامسا، الى حصر التنافس على الرئاسة باثنين بعد الغاء ترشيح اثنين آخرين هما الرئيس امين الجميل والنائب سليمان فرنجيه، وباتا اخيراً مقلين في اظهار استعدادهما للاستحقاق. قبل اكثر من سنة التقى القادة الاربعة في بكركي والفوا «لجنة سياسية» راحت تجتمع هناك في محاولة لتنظيم تنافسهم، اذ بدوا متساوين في الحظ وحق الترشح والاهلية ومواصفات المرشح القوي، واقتربوا من التفاهم على آلية انسحابهم احدهم للآخر كلما تدنت فرص فوزه. كان عون الاول بين الاربعة بلا منازع، فاذا حوار الرابية ــــ معراب يختزلهم الى اثنين فقط. كلا عون وجعجع يتمسك بأنه الاول. بيد ان الاهم تكريسهما ثنائية الزعامة ما يجعلهما يتهيّبان فشل حوارهما ومغادرته، والعودة الى القطيعة مجددا وإن لم يفضِ ــــ على نحو مرجّح ــــ الى الاتفاق على احدهما رئيسا او على رئيس سواهما.