ليس في لبنان من يجهل دقة الوضعين الاقتصادي والمالي. وليس فيه من لا يقول بضرورة البحث عن حلول من شأنها أن توقف التدهور الذي يبدو أنه يتجاوز الحدود ويحمل في طياته نذر حال من شأنها أن ترتّب نتائج قد تكون بالغة الخطورة.
ولكن…
أن يكون الحلّ على حساب اللبناني العادي، الكادح، المناضل في سبيل الإيفاء بالحد الأدنى من تكاليف الحياة، فهذا ليس فقط أنه مرفوض، ولكنه أيضاً يشي بتداعيات غير آمنة، من شأنها أن تهدد الأمن الأمني وليس فقط الأمن الاجتماعي/ المعيشي/ الاقتصادي.
أن يكون هناك حل؟! هذا أضعف الإيمان. وهو المطلوب، وبإلحاح، واليوم قبل الغد… بل هو تأخر طويلاً، إذ كان يجب أن يؤتى به منذ سنوات عديدة.
ولكن أيّ حل؟!
هل هو بالاقتصاص من المواطن العادي موظفاً مدنياً أو أمنياً أو عسكرياً الخ؟
هل هو بــ»تأديب» الموظف المغلوب على أمره عن ذنبٍ لم يرتكبه؟
هل هو بالمسّ بتقاعد المتقاعدين وهو حقٌ لهم لم ينالوه مِنّة من الدولة العليّة وماليتها المأزومة حالياً، إنما هو من جناهم وعرقهم؟! فأموال التقاعد هي مستحقات أدخرت من مرتبات وتعويضات الموظفين (أياً كانت رُتَبُهم وأسلاكهم) وكانت تقتطع من مرتباتهم شهرياً لتحال الى صندوق تقاعدهم، فتعاد إليهم بعد بلوغ سنّ نهاية الخدمة. إنها فعلاً حقّ مكتسب شرعي لا يجوز في أي حال حرمان الموظفين منه تحت أي دعوى أو ذريعة!
ويطرح السؤال ذاته: وهل نترك البلد يذهب الى الانهيار المالي؟ واستطراداً: ماذا يفيد الموظف أن يربح تقاعداً كاملاً على الورق فيما هو مهدد اذا استمرت الحال على ما هي عليه أن يفقد كل شيء؟ واستطراداً على الاستطراد: أليس أفضل للموظف أن يحظى بتقاعد ينقص قليلاً من ألاّ يحصل على شيء إطلاقاً؟!
إنه سؤال مركّب وهو سؤال حق يراد به باطل.
فلتذهب السلطة المهيوبة الى البحث عن الموارد المالية حيث يجب أن تبحث عنها لإنقاذ الوضع (الذي يعترف الجميع بدقته) بدلاً من أن تبحث في جيوب المواطنين المغلوبين على أمورهم.
ابحثوا عن المال في الجيوب المنفوخة التي جاء أصحابها الى السلطة معدمين فباتوا من أصحاب المليارات!
ابحثوا عنه لدى محتلّي أملاك الدولة وقد حولوها الى منتجعات ومؤسسات ومصالح تدر عليهم الثروات الطائلة من غير وجه حق.
ابحثوا عنها لدى المتمنعين عن تسديد رسوم المياه والكهرباء وسائر الضرائب والرسوم!
ابحثوا عنها لدى الذين صادروا الأملاك البحرية (وهي ملك للناس أجمعين) وأقاموا عليها المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تبلغ أسعارها (وأرباحها) أرقاماً خرافية!
ابحثوا عنها لدى مرتبات خرافية وتعويضات فلكية و»تنفيعات» وبدلات سفر، و»موارد شتى» (…) تعود بالمليارات.
أما أن «تفشوا خلقكم» بالمواطن العادي، المنكوب بكم فهذه لن تمرّ.