ينقسم اللبنانيون حيال الأزمة الناشئة من وقف المملكة العربية السعودية هبة الأربعة مليارات دولار للجيش والقوى الأمنية وما يليها من إجراءات وما تثيره من ردود فعل متباينة ومضاعفات يتوقع أن تستمرّ ارتداداتها على الأوضاع الداخلية إلى أمد غير قصير.
فريق من اللبنانيين أعطى الرياض مبرّراً لإجراءاتها ويلوم حزب الله على حملته السياسية عليها، ويرى انّه لا ينبغي التعرض لها بهذه الحدة بعد كل ما قدمته وتقدمه للبنان من دعم ومساعدة في مختلف المراحل والازمات والنكبات.
وفريق آخر، وجد في الإجراءات السعودية ما يضرّ بمصالح الرياض اللبنانية عموماً ومصالح لبنان خصوصا، لأنها استهدفت القوى العسكرية والامنية التي تخوض معركة ضروس ضد الإرهاب، ما قد يجعلها عاجزة عن الاستمرار في هذه المعركة التي تهدد امن لبنان واستقراره ووحدة شعبه في ظل الحروب التي تشهدها سوريا والمنطقة.
وفريق ثالث، رأى أنه لا ينبغي على الرياض ان تعاقب لبنان برُمته، فيما الازمة هي بينها وبين حزب الله الذي هو أحد المكوّنات الاساسية في البلاد بما يمثل سياسياً وشعبياً، ويَعتبر أنّ هذه الازمة تستجلب ما يجري في المنطقة الى لبنان الذي يجهد للنأي بنفسه عنها، في الوقت الذي تقف الرياض في جبهة القوى الاقليمية والدولية التي قررت أن يكون الاستقرار اللبناني خطاً أحمر ينبغي الحفاظ عليه، أوّلاً كونه يحتضن اكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، وثانيا لأن ايّ اضطراب امنيّ فيه من شأنه ان يشاغب على الجهود المبذولة لمعالجة أزمات المنطقة.
وفريق رابع، رأى انّ الاجراءات السعودية هي بمثابة «إعلان انسحاب» سعودي من لبنان لمصلحة إيران التي تتنازع وإياها على مجمل ساحات المنطقة، في الوقت الذي يعرف القاصي والداني ان لا غنى للمملكة ولا لدول الخليج العربي عن لبنان الذي يشكّل بوابتها الى الغرب وبوابة الغرب إليها، فضلاً عن كون الخليجيين يعتبرونه موطنهم الثاني في الصيف والشتاء، وكذلك لا غنى للبنان عن السعودية ودول الخليج لِما له من مصالح حيوية فيها اقتصادياً ومالياً.
على انّ المواقف السائدة محلياً وفي الرياض توحي في رأي البعض انّ المواجهة السياسية الدائرة بين المملكة وحزب الله لن تتوقف في أمد قريب، فالرياض ماضية في الإجراءات التي تتخذها بدءاً بوقف هبة المليارات الأربعة، ويرشح أنّها تطلب اعتذاراََ من الدولة ومن حزب الله، والحزب في المقابل ليس في وارد تغيير موقفه منها ويطالبها باعتذار.
ويتوقع الحزب أن تتواصل الحملة السعودية عليه هادفةً الى استصدار قرار عربي عموماً وخليجي خصوصاً يَعتبره «منظمة إرهابية»، في إطار خطة تهدف الى عزلِه عربياً، وهذا القرار كان الحزبُ قد شعر بوجود توجُّه سعودي لاتخاذه منذ حصول بعض اللقاءات بين مسؤولين منه وبين ديبلوماسيين سعوديين في بدايات الأزمة السورية.
إذ يومها سمعَ الحزب من الجانب السعودي دعوةً الى عدم التدخّل في الشأن السوري «لأنّ النظام سيسقط خلال بضعة اشهر». ولكن الحزب تمسّك بموقفه ولم يتراجع عنه مقدّماً المبررات والأسباب.
وهذه الدعوة نفسُها سمعها «الحزب» يومذاك من رئيس الحكومة التركية الحالي أحمد داود اوغلو عندما زار بيروت يوم كان وزيراً للخارجية، إذ بادرَ الاخير الى الطلب من مسؤولي الحزب الذين التقاهم عدم التدخل في الازمة السورية والقتال الى جانب النظام «لأنه آيلٌ للسقوط قريبا»، وأنّ قتال الحزب في سوريا قد يتسبب بـ»حرب مذهبية». وقد ردّ هؤلاء المسؤولون عليه سائلين إياه: ما البديل لديكم عن نظام الرئيس الاسد؟
وأكدوا انّ النظام اذا سقط سيكون بديله التنظيمات المتطرفة التكفيرية التي تخوض في مواجهتها معركة وجود وليس معركة دفاع عن النظام «لأنّ أعراضنا انتهكت وأرزاقنا دمّرت وفرضت خوّات على اهلنا في منطقة الهرمل، ولا يمكننا إلّا ان نواجه هؤلاء على أرضهم لئلّا نضطرّ الى مقاتلتهم في مدننا وقرانا، فحربُنا ضدهم ليست حرباً مذهبية ولا يمكن ان تكون، وإنما هي حرب للدفاع عن وجودنا كلبنانيين عن كل الطوائف والمذاهب».
ويعتقد سياسيون انّ الازمة قد تهدأ في لحظة ما، خصوصاً أنّ تيار «المستقبل» وعلى رغم مواقفه العالية السقف الحاملة على «الحزب» والمتضامنة بشدّة مع الرياض لا يرغب ضمناً في ان تتعاظم وتصل الى نقطة اللاعودة بين الحزب الذي يحاوره وبين المملكة، لأنه يستحيل عندها توافر حلّ للأزمة اللبنانية واستحقاقاتها، وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي.
وفي هذا السياق عبّر نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري في جلسة الحوار الثنائية الاخيرة في عين التينة للحاج حسن خليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، عن رغبته في أن يوقف الحزب حملته على المملكة.
ويعول البعض على دورٍ يمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يلعبه في الوقت الذي يراه مناسباً في حال استمرّت الازمة على تفاقمها، في حين يؤكّد فريق من السياسيين أنّ الأزمة مهما اشتدّت فإنها ستهدأ، خصوصاً أنّ الإدارة الاميركية أبلغَت عبر بعض أقنيتها الديبلوماسية الى بعض المرجعيات والقيادات السياسية انّها غير مرتاحة الى التوتير الحاصل، وتَعتبر أنّ جانباً منه مفتعل داخلياً وأن بعض الجهات اللبنانية تبالغ في ما تتّخذه من مواقف تصعيدية يخشى أن تنعكس على عمل الحكومة، وتالياً تزيد أزمة الاستحقاق الرئاسي تعقيداً.