Site icon IMLebanon

هل سيعود اللاجئون إلى سوريا؟ (1/2)

 

بين الاندماج في لبنان أو الانتقال إلى بلد ثالث

 

 

تعتبر الأزمة السورية أكبر أزمة لاجئين تواجهها المفوضية العليا للاجئين منذ تأسيسها عام 1951، وهي كما قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي بأن «الأزمة السورية هي أكبر أزمة إنسانية وأكبر أزمة لجوء في عصرنا، وهي تشكّل سبباً دائماً لمعاناة الملايين ويجب أن تحظى بدعم كبير من دول العالم»..

أمام هذا الواقع، هناك أسباب كثيرة ومتنوّعة تحول دون عودة اللاجئين الى سوريا، وفي مقدمتها الدمار الواسع للقرى والمدن في معظم المناطق السورية، وعدم توفر مراكز الإيواء، ونقص الخدمات الحياتية والمعيشية لجهة الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي وتوفر الكهرباء ، ثم فقدان سبل ووسائل العيش لجهة توفر العمل وعدم وجود الدعم اللازم لتأمين معيشة الأسرة وصعوبة الوصول الى خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية..

 

لكن على ضوء الأزمات التي يعانيها لبنان، كيف يمكن إعادة النازحين الى ديارهم، وبعد استضافة النازحين أكثر من 12 سنة، يتبيّن أن المجتمعات المضيفة والفقيرة، قد فقدت المقدرة على الاستيعاب والتحمّل، مما بات يستدعي البحث عن وسائل وحلول عاجلة، فإما اعادة النازحين الى سوريا، أو اعادة توطينهم في بلد ثالث.. وذلك لحماية لبنان وتفادي حدوث الانفجار الاجتماعي القادم.

عودة اللاجئين مرتبطة باعمار المدن

يلاحظ بحسب البيان الصادر عن اجتماع «عمّان التشاوري»، الذي استضافه الأردن في شهر أيار 2023، لوزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر، مع وزير الخارجية السوري، التأكيد على أن «العودة الطوعية والآمنة للاجئين (السوريين) إلى بلدهم هي أولوية قصوى، ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورا».. كما أكد البيان، على تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة «لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح»..

وفي حزيران 2023، وخلال اجتماعه مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، في دمشق، أكد الرئيس السوري بشار الأسد على أن «العودة السليمة للاجئين السوريين هي الهدف الأسمى لدى الدولة السورية، لكنه مرتبط بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية بمختلف أشكالها»..

 

وفي هذا المجال تتفاوت التقديرات حول كلفة «مشروع إعادة إعمار سوريا»، إذ يتبيّن بحسب تقديرات الأمم المتحدة «ان تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار.. وهذا الرقم يشمل حجم الدمار فقط، ولا يشمل الخسائر البشرية، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجّروا من منازلهم.».. أما وفقا لما قدرته الجامعة العربية، «تقدّر عملية إعادة اعمار المدن المدمرة في سوريا بحوالي 900 مليار دولار»، وهى الفاتورة الأكبر في التاريخ الحديث لإعادة اعمار دولة مدمرة.

القرار الدولي: لا عودة للنازحين

قبل مؤتمر دعم سوريا الذي انعقد في بروكسيل في 5 نيسان 2017، أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة لإعادة إعمار سوريا، وذلك فور بدء «انتقال سياسي حقيقي»، والتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا، يتضمن صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات خاصة.

وجاء في وثيقة قدمتها المفوضية الأوروبية التأكيد على حشد التمويل لدعم جهود إعادة الإعمار.. وبحسب الوثيقة فإن الاتحاد الأوروبي قد جمع نحو 9.4 مليارات يورو، للمساعدة في إحلال الأمن وإزالة الألغام، وإعادة الخدمات الأساسية من ماء وصحة وتعليم «لإثبات فوائد السلام».

 

لكن بعد ذلك، يتبيّن أن الأمم المتحدة لم تحقق وعودها في إعادة اعمار سوريا، وموفدها الى سوريا غير بيدرسون، لم يُحقق أية نتائج عملية طيلة أكثر من خمس سنوات، حيث استعادت سوريا سيطرتها على معظم الأراضي، واسترجعت موقعها في الجامعة العربية، وهي تسعى لرفع الحصار الأميركي – الأوروبي عن طريق بناء علاقات خارجية مع الصين وروسيا…

وفي حديث مع تلفزيون الصين المركزي (29 أيلول 2023)، كشف الرئيس السوري أن الحرب في سوريا لم تنته… «وهي الآن معرّضة لحصار اقتصادي سيئ وقاسٍ وخطير من الغرب يهدف لتجويع الشعب السوري»… ويتلخص الموقف الرسمي السوري، بالقول «أننا مستعدون لاستقبال النازحين وحل مشكلاتهم، لكن كيف سيعودون والامم المتحدة تقدم لهم الدعم المالي والصحي والتعليمي والغذائي في لبنان؟»..

تراجع الدعم المالي للدول المضيفة

بعد مرور 11 عاما على بداية الأزمة السورية، فقد أطلق لبنان مع الأمم المتحدة «خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023»، وهي تضم المفوضية العليا للاجئين مع أكثر من 126 منظمة شريكة، لمساعدة 3.2 ملايين شخص محتاج يعيشون في لبنان. وقد أكدت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، نجاة رشدي، أن «تسعة من أصل كل عشرة سوريين في لبنان يعيشون في الفقر، في حين ارتفعت مستويات الفقر بشكل كبير أيضاً بين السكان اللبنانيين والمهاجرين والفلسطينيين».

لقد شارك لبنان في مؤتمر بروكسل السابع، الذي انعقد مؤخراً في البرلمان الأوروبي يومي 14 و15 حزيران 2023، حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، وذلك لتجديد الدعم للشعب السوري واللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم من قبل الاتحاد والمجتمع الدولي.

 

كما شارك لبنان الرسمي في مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك (أيلول 2023).. لكن النتيجة أظهرت عدم الموافقة على عودة النازحين الى سوريا، ثم تراجع الدعم المالي للدول المضيفة كما حصل عام 2022 حينما تعهد الغرب بتخصيص 6 مليارات دولار، لكن لم يصل منها سوى مليار ونصف، ذلك أن الاهتمام الدولي يتركز على «التغيير السياسي في سوريا»، وعلى متابعة الأزمة في أوكرانيا.

السلام وإعادة الإعمار وجهان لعملة واحدة

يلاحظ بحسب التقرير الصادر عن البنك الدولي عام 2016، «نظرة مستقبلية اقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن سوريا هي أكثر الدول التي دمرتها الحرب في المنطقة، وان السلام وإعادة الإعمار وجهان لعملة واحدة، ويمكن لاستراتيجية إعادة الإعمار لسوريا، أن تساعد في تعزيز السلام المستدام».

كما يدعو التقرير المنظمات التنموية إلى تبنّي خطة إعادة إعمار شاملة وجامعة، حيث لا يمكن أن تكون إعادة إعمار مرتبطة بمشاريع البنية التحتية وحدها ؛ بل يجب العمل لتخفيف التوترات الأمنية المتزايدة في المخيمات واماكن انتشار النازحين نتيجة الصراع القائم على موارد العيش، وانتشار الفقر المدقع والبطالة والتهميش..

الحق السيادي للدول في إدارة الهجرة

تتضمن الاتفاقية الخاصة باللاجئين 1951، أنه يتوجب: «على كل لاجئ إزاء البلد الذي يوجد فيه، أن ينصاع لقوانينه وأنظمته.. للمحافظة على النظام العام».

أما في التدابير المؤقتة (المادة 9)، حول ترحيل الذين يدخلون بطرق غير شرعية: فيلاحظ أنه «ليس في أي من أحكام هذه الاتفاقية ما يمنع دولة متعاقدة، في زمن الحرب أو في غيره من الظروف الخطيرة والاستثنائية، من أن تتخذ مؤقتا من التدابير، بحق شخص معين، ما تعتبره أساسيا لأمنها القومي».

 

أما حول حق السيادة الوطنية للدولة، فهو مكرّس بحسب قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 كانون الأول 2018، حيث «يكرر الاتفاق العالمي التأكيد على الحق السيادي للدول في تحديد سياستها الوطنية الخاصة وحقها في إدارة الهجرة بما يتفق مع القانون الدولي. وقد تميّز الدول، ضمن حدودها السيادية، بين حالة الهجرة النظامية وغير النظامية، مع مراعاة الأولويات والمتطلبات الوطنية فيما يتعلق بالدخول والإقامة والعمل وفقا للقانون الدولي».

• قانون تنظيم الدخول والإقامة في لبنان لعام 1962:

أما القوانين التي تستند إليها الحكومة اللبنانية لإعادة اللاجئين فهي ترتكز الى «قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962»، الذي نصّ «على صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام»…

كذلك يتضمن القانون: «معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان»، مع العلم أن أي شكل من الدمج المحلي هو غير دستوري وبالتالي ليس خيارا ً متوفراً».

• مذكرة التفاهم التي صدرت عام 2003 بين المفوضية ووزارة الداخلية والأمن العام:

لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان كلاجئين، ذلك أن لبنان لم يوقّع على اتفاقية اللاجئين العالمية في العام 1951، وبروتوكول العام 1967 التابع لها؛ وبالتالي وفق مذكرة التفاهم التي صدرت عام 2003 عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع وزير الداخلية والبلديات والمدير العام للأمن العام اللبناني، حول التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية في لبنان، حيث ورد فيها أن عبارة «طالب لجوء» وحيثما وردت في هذه المذكرة تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان».

• قرار المجلس الأعلى للدفاع 2019:

اتخذ المجلس الأعلى للدفاع في جلسته المعقودة بتاريخ 15/4/2019، عدداً من القرارات المتعلقة بالنازحين السوريين، تشمل «ترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان عبر ممرات التهريب، ودون المرور بالمعابر الرسمية».

ومع تفاقم أزمة النزوح السوري نتيجة الموجات الجديدة من النازحين الشباب، وتزايد التوترات الاجتماعية، فقد بدأت بعض البلديات ولا سيّما بيروت وطرابلس وسن الفيل والغبيري والدكوانة، باتخاذ قرارات تشمل ضبط وجود النازحين السوريين وتطبيق القانون.

مواقف النازحين حول الرغبة بالعودة

منذ العام 2017، فقد أجرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دراسات استقصائية دورية، شملت الدول المجاورة لسوريا، وذلك لتحديد مواقف اللاجئين السوريين حول الرغبة بالعودة إلى سوريا، في كلّ من مصر، والأردن، ولبنان والعراق، بينما لم تشارك تركيا في إجراء هذه الدراسة بإشراف المفوضية.

وقد نفذت الدراسة الأخيرة بداية عام 2023، حول «تصورات اللاجئين السوريين ورغبتهم في العودة الى سوريا».. حيث طُرح السؤال التالي: «هل تأمل في العودة إلى سوريا يوماً ما؟»، وقد جاءت النتيجة أن 56 في المائة يرغبون العودة، مقابل 32 في المائة لا يرغبون بالعودة، و11 في المائة لم يقرروا بعد.

أما بالنسبة للأمل في عودة اللاجئين الى سوريا خلال الاثني عشر (12) شهراً القادمة، فقد تبيّن بحسب نتائج الاستقصاء أن 94 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان «ذكروا صراحةً بأنهم لا يرغبون بالعودة إلى سوريا خلال الإثني عشر شهرا التالية، وذلك في مقابل 1.1 في المائة فقط أجابوا بنعم، وخمسة في المائة بأنهم لم يقرروا بعد.

وبحسب نتائج الاستطلاع، فقد أعرب نحو 25 في المائة من الذين لا يرغبون في العودة خلال 12 شهرا التالية، عن أملهم في العودة الى سوريا في غضون خمس سنوات.

لهذا فقد توصلت الدراسة الى وجود اتّجاه تنازليّ في الرغبة بالعودة، حيث يتراجع الأمل في العودة، وذلك بالمقارنة مع نتائج الدراسات السابقة.

أما العقبات التي تحول دون عودة النازحين، فهي:

تعتبر المساعدات المالية النقدية المخصّصة لعائلات النازحين في لبنان، والتي تقدمها الدول المانحة الى المفوضية العليا بالمشاركة مع المنظمات الدولية، بمثابة العائق الأساسي الذي يمنع النازحين من التفكير بالعودة الى سوريا، أما العقبات التي تعترض طريق العودة بحسب نتائج الاستقصاء الذي أجرته المفوضية في سوريا، فتتوزع وفق الأتي:

• يأتي في المقدمة الافتقار إلى فرص سبل العيش والعمل كعقبة أساسية في طريق العودة، وكان هذا العامل هو الأكثر ذكراً في الدراسة الاستقصائية لعام 2023.

• ما زالت الأمور المتعلقة بالأمن والامان تؤثر بصورة كبيرة على اتخاذ قرار العودة، ومنها النزاع القائم، ووجود الأطراف الفاعلة المسلحة، والافتقار إلى إنفاذ القانون.

• الافتقار إلى الخدمات الأساسية، مثل: الصحة، المياه، والكهرباء ولا سيّما المسكن، في البقاء من بين أهم العقبات التي تواجه العودة الى سوريا.

« القسم الثاني: هل سيعود اللاجئون الى سوريا؟ (2/2)»

* رئيس مركز السكان والتنمية