سيحاول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قابل الأيام والأسابيع إيجاد مناخ جديد ذي سمةٍ وفاقية بين الأفرقاء السياسيين، لكنّ المشكلة التي سيواجهها هي أنه لم يعد لهذه الطبقة السياسية صدقية لدى الرأي العام أو ثقة في أنّها قادرة على تقديم إنجازات لمستقبل البلاد.
ولذلك، يرى سياسيون أنّ الرأي العام يضع السلطة التي تشارك فيها هذه الطبقة في موقع الاتهام، ما يجعل من إحداث تحولات كبيرة في الرأي العام قبل الانتخابات المقبلة أمراً صعباً، لأن ليس في استطاعة كثير من الأفرقاء السياسيين تقديم ايّ شيء الآن.
ويقول هؤلاء إنه بعد إقرار قانون الانتخاب النسبي فإنّ ثمّة أسئلة كثيرة وكبيرة تُطرح في مختلف الاوساط السياسية والطائفية، وكلّها تدور حول الانتخابات المقبلة وطبيعة التحالفات التي ستشهدها، خصوصاً بين القوى السياسية الكبرى التي تعوّدت طويلاً خوض الانتخابات بالنظام الاكثري واكتساح المقاعد النيابية بغالبيتها الساحقة، فيما هي ستخوض هذه المرّة انتخابات لن تكون قادرة على الفوز فيها بأعداد مرموقة من المقاعد، بل إنّ النسبية ستجبرها هذه المرّة على نسجِ تحالفات حتى مع من كانت تراهم سابقاً ضعفاء، ما يعني انّ ايّ فريق لن يتمكّن من الفوز بعدد كبير من المقاعد ما لم يوسّع مروحة تحالفاته الانتخابية، مع العِلم ان ليس ثابتاً أنّ هذه التحالفات، يمكن ان تتحوّل تحالفات سياسية بعد الانتخابات.
ولكن معالم الواقع الانتخابي الجديد يتوقع ان تبدأ بالظهور مع انصراف الافرقاء السياسيين الى الإعداد المبكر لحملاتهم الانتخابية تحضيراً لخوض السباق الانتخابي في أيار المقبل، وليس متوقعاً حصول ايّ أحداث سياسية بارزة خارج إطار الاستحقاق النيابي، فكلّ فريق سيعكف على تقويم وضعه التمثيلي والانتخابي قبل البحث في التحالف مع هذا الفريق او ذاك، فالحسابات الانتخابية مختلفة هذه المرّة، لأنّ النظام النسبي دخل عنصراً جديداً في العملية الانتخابية ويفرض على الجميع التعاطي معه بأسلوب مختلف عن النظام الاكثري الذي كان سائداً قبله، ولذلك ستمضي اشهر قبل أن تُبلوَر التحالفات الانتخابية الجديدة، في الوقت الذي ستكون الادارات المختصة، ولا سيّما منها وزارة الداخلية،
منهمكة في إنجاز التحضيرات الادارية واللوجستية والعملية اللازمة للانتخابات، ولا سيّما منها إنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة التي بدأ بعض القوى السياسية «ينقّ» ويتخوّف من ان يكون استخدامها في غير مصلحته لأنّها تُفقده عامل «التأثير» على الناخبين، ولذا ليس مستبعداً أن تنطلق دعوات الى إلغائها في هذا الموسم الانتخابي وإجراء الانتخابات على اساس بطاقة الهوية وغيرها من الوثائق التي استُخدمت في الانتخابات السابقة، وذلك حتى ولو اضطرّ الأمر الى تقصير المهل لإجراء الانتخابات.
وفيما بدأ البعض يتحدّث عن وجوب إدخال بعض التعديلات على القانون الانتخابي كونه «أقِرّ على عجَل»، في رأيهم، ما ترك فيه بعض الشوائب، يقول قطب نيابي إنّ القانون وعلى رغم ما يعتريه من شوائب ليست اساسية، لن يخضع لأيّ تعديلات جوهرية، علماً انّ ايّ تعديلات لا يمكن ان تتم إلّا إذا حصل توافق جماعي عليها، وما بدأ البعض يطرحه من تعديلات لا يمكن القبول به، إذ يشتمّ من هذا التعديلات انّ الداعين إليها يحاولون الاستثمار عليها في شوارعهم السياسية والطائفية لتحقيق كسبٍ شعبي يعزّز رصيده الانتخابي في الاستحقاق النيابي لاحقاً.
على انّ كثيرين يعترفون بأنّ في القانون ثغرات عدة أفرَغت النسبية من كثير من محتواها، وأبرزُها اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء بدلاً من الدائرة، وثمّة تغرة ثانية تمثّلت في اعتماد النسبية على اساس تقسيم لبنان الى 15 دائرة بدلاً من اعتماده دائرة واحدة أو دوائر كبرى (المحافظات الخمس التقليدية).
ولكنّ المعنيين يعتبرون انّ مجرّد اعتماد النسبية يشكّل بداية جيّدة لنقل لبنان من النظام الانتخابي الاكثري الإقصائي الى النظام النسبي الذي يحقق العدالة في التمثيل والمشاركة الشاملة في الندوة النيابية، وهذه الصيغة يُبنى عليها مستقبلاً لاعتماد هذه النسبية «على أصولها»، بحيث ستكون الدورة الانتخابية المقبلة اوّل اختبار في هذا المضمار.
لكن ما يلاحظه، هذا القطب هو انّ البعض عاد الى اعتماد الخطاب الطائفي والمذهبي بغية تعزيز رصيده الانتخابي في شارعه بغية مواجهة خصومه، مع العِلم انه في ظلّ النظام النسبي قد لا يكون هذا الخطاب مربحاً، خصوصاً انّ هؤلاء الخصوم لا بد من ان يتمثّلوا بأحجامهم، ولن يكون في استطاعة ايّ فريق شطبهم والفوز بلائحة كاملة.
على انّ الاهمّ في كلّ ما جرى هو ان لا رجعة الى الوراء بعد اليوم في القوانين الانتخابية، بل تقدّم اكثر في اعتماد النسبية وتطويرها، لأنّها أسّست لتطوير النظام السياسي عبر تعزيز المشاركة وتوسيعها في الندوة النيابية بعيداً من ايّ هيمنة او استئثار بالسلطة.
على انّ الوضع الحكومي ثابت ومستمر، يقول القطب نفسه، وليس هناك ايّ تفكير في تغييره، فهذه الحكومة ستُجري الانتخابات في أيار المقبل، والبلد في غنى عن الدخول في تأليف حكومة جديدة قد يستغرق أشهراً، فيما الانتخابات النيابية ستتمّ بعد 11 شهراً، علماً أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يبدي الحرصَ على الاستمرار في السلطة ويتمسك بالتفاهم القائم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا بل إنّه يسعى الى تعميق هذا التفاهم وتعزيزه، فيما عون يبدي في الوقت نفسه حرصَه على تحقيق إنجازات في عهده، ولا يبدو أنّه في وارد التفكير في تغيير حكومي قبل انتخاب المجلس النيابي الجديد ربيع 2018 الذي يفرض دستورياً تأليف حكومة جديدة سيَعتبرها يومها «حكومة العهد الأولى».
ولذلك فإنّ دعوته رؤساءَ الأحزاب المشاركة في الحكومة والتي تشكّل الاكثرية المطلقة في مجلس النواب الى لقاءٍ في بعبدا بعد غدٍ الخميس ليست دعوة الى حوار وطني، حسبما يروّج البعض، وإنّما هي دعوة الى لقاء، أولاً لتأكيد «أبوّتِه» للحلّ الذي تَحقّق بإنجاز قانون الانتخاب، وكذلك أبوّته ورعايته للمسيرة، وثانياً لتأكيد موقعه حَكَماً بين الجميع، خلافاً لِما شاع من «طرفيّته» أثناءَ التفاوض على قانون الانتخاب، ولذلك يريد أن يؤكّد للأفرقاء السياسيين المدعوّين إليه أنّه كان ولا يزال يقف على مسافة واحدة من الجميع، وأنه مستعد للمبادرة بالتعاون مع الجميع لاستكمال تنفيذ ما تبَقّى من «اتّفاق الطائف» والدستور بدءاً من موضوع إلغاء الطائفية السياسية وغيره من البنود التي لم تنفّذ، إذا كانت لدى هؤلاء الأفرقاء السياسيين الرغبة في هذا المجال.