«الجنرال» يختبر «ورقة القوة».. بـ«خيار الضرورة»
هل يكرِّر العونيون تجربة 23 كانون الثاني 2007؟
كل من راهن ان ميشال عون يناور ويصعّد ليتراجع لاحقاً، ثبت له ان «الجنرال» لا يناور ولا يمزح. دعوته المسيحيين لـ «الاقتراع بأقدامهم» لم تكن مجرد شعار شعبوي وفضفاض.
بعد إعلان الجهوزية والاستعداد لتنفيذ المطلوب، بدأ بعض العونيين يسترجع ذكريات 23 كانون الثاني 2007 يوم التصعيد الكبير بوجه حكومة فؤاد السنيورة «الرئاسية» وفريق السلطة. يومها، يقول هؤلاء: «فعلناها ونزلنا الى الارض في المناطق المسيحية من دون مساندة اي حليف، واستطعنا ان نوجّه رسالة قاسية لمن ظنّ أنه باستطاعته ان يحكم البلد لوحده».
في اجتماع «تكتل التغيير والاصلاح» الاخير طرحت فكرة استدعاء الشارع العوني في مهمّة خاصة وحسّاسة: قطع طريق السرايا!
الوزير جبران باسيل كان الركن الاساسي في طرح هذه الفكرة وأفكار أخرى تؤدّي الى الغاية نفسها. «نَفَس» وزير الخارجية ظهر بوضوح في لقاء «المواجهة بالاظافر والاسنان» و «اخذ الحقوق بالقوة» في خطابه البتروني. بعض المشاركين في اجتماع «التكتل» جاهر بالقول: «باستطاعة أهالي العسكريين المخطوفين وحدهم اليوم شلّ البلد. فكيف إذا كنا نتكلّم عن متضرّرين يمثلون غالبية الشارع المسيحي».
في الاجتماع الاستثنائي غير المعلن عنه الذي عقد في الرابية قبل ظهر السبت، تمّ أيضا تكريس معادلة «ما بعد الثاني من تموز ليس كما قبله»، مع التسليم باعتبار كل الوسائل السياسية والديموقراطية والحضارية والسلمية مطروحة على طاولة البحث من دون استثناء لاي وسيلة اعتراض، على ان يتمّ الالتزام بالجدول الزمني للتحرّكات، بما يؤمّن القدرة على الاستثمار فيها بشكل تدريجي وتصعيدي.
ليس واضحا اليوم إذا كان الركون الى خيار استنهاض الشارع، وصولا الى حدّ افتراش الارض أمام السرايا وقطع الطرقات في بعض المواقع التي لها رمزيتها السياسية، هو خيار الضرورة الوحيد المطروح على طاولة الرابية.
لكن يبدو من السياق العام لتطوّر الاحداث أن عون سيكسر المنظومة التقليدية والكلاسيكية في اعتراضه على مسار الاحداث منذ وصوله الى لبنان عام 2005، لمصلحة استراتيجية مختلفة تماما هذه المرة يواجه من خلالها معسكرا جديدا هو عمليا خارج إطار الفرز القائم بين جبهتيّ «8 و14 آذار».
أمران يطبعان هذه المواجهة غير التقليدية: الاول أسلوب المواجهة الذي قد يصل الى حدّ تعطيل اعمال الحكومة كلّيا بالسياسة او بالشارع. والثاني وقوفه أمام معسكر جديد هو خليط من حليف مفترض هو الرئيس نبيه بري وخصم تقليدي قطع معه شوطا كبيرا من التقارب وكسر الحواجز ثم رفعت مجددا المتاريس بينهما وهو «تيار المستقبل».
ويبدو ان تحديد الرئيس تمام سلام موعدا لجلسة ثانية لمجلس الوزراء الخميس المقبل، قد يدفع الامور الى مزيد من التصعيد. ترافق ذلك مع وصول معلومات للرابية تؤكّد أن الجلسة المقبلة ستشهد المزيد من اتّخاذ قرارات تصفها الاكثرية بالملحّة، فضلا عن الاصرار على حصد التواقيع اللازمة لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب.
ثمّة في هذا السياق من اتهم عون بأنه نقل المشكلة من مكان الى مكان آخر مختلف تماما. يقول هؤلاء: كان الشعار في البداية فرض حصول التعيينات العسكرية، ثم كبر حجر الاعتراض الى حدّ المطالبة بنسف الصيغة التي قام عليها الطائف لمصلحة الترويج لفيدرالية لم تكن يوما من الطروحات المعلنة لـ «التيار الوطني الحر»، ورفع شعار «الحقوق المسيحية المهدورة» والاعتراض على «ضرب الوجود المسيحي».
ولاول مرة، يضيف هؤلاء، صار عون يحاضر بالاكثرية والاقلية، مع العلم ان هذا المفهوم شارك بنفسه بنسفه حين منح الغطاء المسيحي لقيام حكومة نجيب ميقاتي.
مضبطة الاتهام العونية في «التعدّي على حقوق المسيحيين ومصادرة قرارهم»، لا تنتهي وصارت معروفة. عون قال كلمته ولن يتراجع. وما كان البعض يعتبره مناورة ورفع سقوف، صار من الثوابت. الكلمة للشارع. ثلاث نقاط اساسية يمكن تسجيلها في هذا السياق:
اولا، سينتظر الجميع ميشال عون على «كوع» الحشد. ستحضر المقارنة سريعا مع ايام «قصر الشعب». الـ «Zoom out» للمجموعات العونية المتدفقة الى نقاط الاعتصام والتظاهر، ستكون حاسمة في جعل الشارع ورقة قوة بيد الرابية.. او ورقة نعي لقوة تمثيلها. خصوم الرابية يتحدّثون بشيء من التأكيد ان ميشال عون نسخة 1989 ليس هو نفسه نسخة 2015، ولعبة استدعاء الشارع ستنقلب عليه!
ثانيا، مدى انغماس «حزب الله»، حليف عون الثابت والاستراتيجي، في لعبة الشارع ومجاراته لحسابات «الجنرال» على الارض. بالتأكيد «حزب الله» في مواجهة حكومة تمام سلام ليس هو نفسه الحزب الذي واجه حكومة السنيورة في الشارع عام 2007. لا الحسابات هي نفسها ولا المناخات السياسية ولا الاهداف.
ثالثا، مدى التزام حلفاء عون المسيحيين بتجييش قواعدهم وتجييرها لمصلحة «الانتفاضة العونية»، خصوصا ان بعض الجالسين على طاولة «التكتل»، بخلفيتهم التمثيلية، لا يستسيغون كثيرا لغة الشارع.
وفق المعلومات، وفي كل مراحل التصعيد التي اعتمدها عون في محاكاة أزمة رئاسة الجمهورية والحقوق المسيحية والمواجهة داخل مجلس الوزراء، لم يتمّ التنسيق مع «حزب الله» بشأن «بند الشارع». وبالتالي لا شيء مطلوب من «حزب الله» في هذا المجال، وما ينطبق على الحزب يسري على الحلفاء المسيحيين داخل «التكتل»، حيث تؤكد اوساط وثيقة الصلة بعون «لن نطلب من اي فريق سياسي محدّد ملاقاتنا في خيار الشارع.. فالدعوة موجّهة للناس وللبنانيين».