Site icon IMLebanon

هل ستردّ «١٤ آذار؟»

دخل لبنان مع تأليف الحكومة في حالة تطبيع سياسية مع «حزب الله» استُكملت في الحوار إلى درجة باتت مواقفُ السيد حسن نصرالله التي يثير فيها قضايا خلافية لا تَستتبع ردوداً وسجالاً.

استمرارُ الوضع على هذا النحو قد يجعل ١٤ آذار ترحب في المستقبل بالعمليات التي ينفذها «حزب الله» ضدّ إسرائيل. قد تكون هذه الصورة خيالية بعض الشيء وكاريكاتورية، ولكنّ واقع الحال أنه عندما يتصل الرئيس فؤاد السنيورة بقيادة الحزب معزِياً بعملية القنيطرة، ويقول الوزير أشرف ريفي «نحن موحَدون حيالَ أيّ عدوان إسرائيلي في لبنان أو خارجه»،

وتلتئم جلسة الحوار بين الطرفين لمواصلة البحث في الشعائر الحزبية في بيروت ومناطق أخرى وكأنّ شيئاً لم يكن من كلام نصرالله المتصل بالبحرين وتكفُله الرد على أيّ اعتداء يستهدف أيّ مكوّن ممانع إلى تواجد الحزب في الجولان، وتصريح النائب سمير الجسر لـ«الجمهورية» على أثر جلسة الحوار بأنّ موضوع القنيطرة تمّت مقاربته وإبداء اعتقاده «أنْ لدى الحزب الحكمة الكافية»، وبالتالي كلّ ذلك يعني أنّ ١٤ آذار تخلّت عن دورها في المواجهة السيادية مع الحزب،

وتحوّلت إلى شريك أساسي في عملية شبعا، لانه لا يكفي التحذير من التوريط والمطالبة بامتلاك الدولة وحدها قرار الحرب، فيما يستمرّ العمل الحكومي والحواري بشكلٍ اعتيادي وطبيعي وكأنّ ما حصل بين شبعا والجولان تمّ في الصين الشعبية.

قد يقول قائل إنّ الموقف الجامع والواضح لقوى ١٤ آذار لا يُقدِم ولا يُؤخِر، لأنّ «حزب الله» لن يطلب إذناً من هذه القوى للقيام بعملية عسكرية-أمنية، وهذا صحيح، ولكنّ هناك فارقاً جوهرياً بين توفير الغطاء السياسي-الوطني للحزب والتعامل مع ما حصل وكأنه طبيعي، وبين إظهار أنّ ما يقوم به يشكل خروجاً عن ميثاق العيش المشترَك والشراكة في إدارة شؤون الدولة وتعريض لبنان لمخاطر وحروب، وبالتالي تسجيل موقف اعتراضي بتعليق الحوار بالحدّ الأدنى والحكومة بالحدّ الأقصى، فيما استمرار هذا الوضع لا يسمح لـ ١٤ آذار الحوارية والحكومية أن تلوم الحزب مستقبلاً في حال تكرّر سيناريو العام ٢٠٠٦.

وما ظهر على أثر عملية القنيطرة خطيرٌ ودلّ على أنّ القيادات السنّية ما زالت تتأثر بالعنوان الإسرائيلي وتبدّي المواجهة مع إسرائيل على تحييد لبنان وحمايته من حربٍ بين طهران وتل أبيب لا ناقة له فيها ولا جمل، علماً أنه كان الاعتقاد أنّ ما يُسمى العقدة الإسرائيلية لم تعد موجودة كونها ذريعة ساقطة ومنتهية الصلاحية، خصوصاً أنّ مواجهة إسرائيل تتمّ من خلال شعب موحَد ودولة قائمة، وليس شعوب منقسمة ودولة مفكَكة ومقاومة قرارها في طهران لا بيروت.

وفي هذا السياق يُعتبر الحوار مع الحزب خطأً استراتيجياً كونه يغضّ النظر عن القضايا الكبرى ويبحث في التفاصيل المتصلة بالشعارات الحزبية، فضلاً عن أنه يعكس عدمَ توازنٍ بين الطرفين في مشهدٍ يذكِّر بالمعادلة التي أرساها النظام السوري وحدَّد بموجبها وظيفة كلّ طرف، بين مَن يهتم بالشؤون الاقتصادية دون غيرها، ومَن يتكفل بمواجهة إسرائيل.

فأولوية «حزب الله» الرد على إسرائيل في المساحة التي تتيح له تنفيذ مهمته من دون الأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين واستمرار الحوار، فيما كان الأَوْلى بالحزب أن يردّ في المنطقة التي تمّ استهدافه فيها، علماً أنّ تواجده في هذه المنطقة يشكل بحدِّ ذاته انتهاكاً للدستور اللبناني وميثاق العيش المشترَك بين اللبنانيين، وأما القول إنّ ردَّه جاء خارجَ الخط الأزرق والقرار ١٧٠١ وضمن المناطق المتنازَع عليها، فلا ينفي حقيقة أنّ إسرائيل يمكن أن تأخذ من فتح مزارع شبعا ذريعة للقيام بحربٍ واسعة على لبنان. فهل مَن يضمن السياسة الإسرائيلية عشية انتخابات داخلية؟

ولماذا اللعب على حافة الهاوية بالرهان أنّ تل أبيب لن تُقدِم على شنّ حرب، لأنّ مصلحتها تكمن في الرهان على استنزاف الحزب في قتاله السوري؟ وإذا كان هذا الكلام صحيحاً ٩٠٪ فهل يمكن إسقاط احتمال الحرب لأهدافٍ إسرائيلية أخرى إقليمية ونووية..؟

فالحصيلة السياسية الأساسية لعملية شبعا أنّ «حزب الله» ضرب بعرض الحائط كلّ المناشدات بتحييد لبنان في ردِّه على إسرائيل، كما ضرب بعرض الحائط كلَّ التطمينات بأنه حريصٌ على أمن لبنان واستقراره، وأكد مجدَّداً أنْ لا شيء يعلو على أهدافه الاستراتيجية.

وفي موازاة ذلك كلّ المؤشرات تدل على أنّ إسرائيل والحزب دخلا في مرحلةً جديدة من الحروب الأمنية المتبادَلة التي بدأت في القنيطرة ولن تتوقف في شبعا، ما يعني أنّ توريط لبنان بحربٍ مع إسرائيل ما زال قائماً.

ويبقى السؤال كيف ستردّ ١٤ آذار على إعادة لبنان صندوقَ بريد بين إسرائيل وإيران من بوابة شبعا؟ فهل ستكتفي بالبيانات التي تعكس انفصاماً في الشخصية لجهة التناقض بين الموقف والممارسة، أم ستذهب إلى تعليق الحوار كرسالة رقم ١ برفضها أن تكون شاهدَ زور، وأن تحصر اهتماماتها في المسائل الصغرى، فيما يتكفل الحزب بالقضايا الكبرى؟

وماذا ستقول لجمهورِها على مسافة أسابيع من ذكرى انطلاقتها العاشرة؟ غالبية الظن أنّ ١٤ آذار لن تردّ بطريقة عملية، وأنّ هذه الحركة التي شكلت مساحةَ أملٍ مضيئة في العتمة اللبنانية قد انتهت، وأنّ أحدَ البدائل اليوم هو العودة إلى المربعات الطائفية…!؟