كشف مؤخًرا عن مفاوضات سرية بين المعارضة السورية والروس حول حصار حلب. وتم تجيير «اتفاق أوبك» الأخير للوساطة الروسية٬ والرئيس الأميركي المنتخب ترامب يرى في الرئيس الروسي الرجل القوي٬ ولا يخالفه٬ على الأقل علنًا٬ في سوريا. كما ترى القاهرة في روسيا الآن حليفًا مهًما٬ وفرصة سانحة٬ لكسر التجاهل الغربي لمصر.
والإيرانيون بدورهم يسايرون الروس بحذر٬ لكن دون حماسة٬ كما يفعل الأسد الملتحف بالعلم الروسي. وقبل أيام طار القائد العسكري الليبي خليفة حفتر إلى موسكو طالًبا الدعم العسكري. وعليه فإن السؤال هنا هو: هل أصبحت روسيا الآن شرطي المنطقة؟ وهل تستطيع موسكو خلق التوازن٬ وملء الفراغ الذي تسبب به فعلًيا الرئيس الأميركي المغادر باراك أوباما٬ بسبب مواقفه المترددة في كل المنطقة٬ واندفاعه الخاطئ بالانسحاب المتسرع من العراق٬ وعقد صفقة الاتفاق النووي مع إيران٬ التي أطلق يدها٬ ومنحها زخ ًما لم تكن تحلم به٬ وهي٬ أي إيران٬ دولة راعية للإرهاب؟
للإجابة عن تلك الأسئلة لا بد من طرح سؤال رئيسي هنا٬ وهو: إذا افترضنا أن العزلة الأميركية التي يتم الحديث عنها الآن في أوائل حكم الرئيس ترامب٬ أمر واقع٬ نظير الانشغال٬ والترتيب٬ أو وفق منهج٬ وكما هو حاصل الآن بالمفاوضات السرية بين المعارضة السورية وروسيا٬ في أنقرة٬ والتي كشفت عنها صحيفة «الفايننشيال تايمز» التي قالت إنه لا علم للإدارة الأميركية الحالية بتلك المفاوضات٬ ولا دور واضحا للرئيس المنتخب ترامب٬ مما يظهر انكفاء أميركا الآن٬ وتفرد الروس بالمنطقة٬ إذا افترضنا كل ذلك٬ فماذا عن التصعيد الذي يقوم به الكونغرس الأميركي الآن تجاه إيران٬ وآخره تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية على تجديد العقوبات على إيران لمدة عشرة أعوام؟
وعلينا أن نتذكر هنا أن تصعيد الكونغرس تجاه إيران لا يمكن قراءته فقط بأنه بمثابة الإحراج للرئيس المغادر أوباما٬ بل هو تجهيز المسرح للرئيس ترامب٬ وإدارته الجديدة٬ لتمزيق٬ أو تعديل٬ سمه ما شئت٬ الاتفاق النووي الإيراني من محتواه. كما أن ما يحدث بواشنطن الآن تجاه إيران هو بمثابة صفعة للملالي٬ وإمعان بإحراجهم داخلًيا. وعليه كيف يمكن للروس٬ وبعد هذا التصعيد الأميركي الممنهج ضد إيران٬ القيام بدور شرطي المنطقة؟ هل لدى الروس المقدرة على فعل ذلك٬ خصو ًصا أن التوتر الأميركي الإيراني من شأنه خلط كل الأوراق٬ فمن سيقف حينها بالمنطقة مع الروس الذين يقفون في صف إيران ضد أميركا؟ هل بإمكان الروس حينها الحفاظ على توازنات المنطقة؟
الإجابة لا٬ وهذا ليس تفكي ًرا رغبوًيا٬ بل إن الحقائق تقول إن التميز الروسي يكمن عندما تلعب موسكو دور المناكفة٬ لا البناء٬ والاستقرار٬ وتقديم الحلول. فالعقلانية٬ مثلا٬ ليست من ضمن مفردات القاموس الروسي الآن٬ لا في أوكرانيا٬ ولا سوريا٬ ولا حتى أوروبا. ولذا فإن ما يفعله الروس الآن بالمنطقة ما هو إلا بمثابة بناء بيت من أعواد كبريت؛ إما تتناثر٬ وإما تحترق٬ عندما تلتفت واشنطن للمنطقة٬ ولو بتحريك ملف إيران النووي.