Site icon IMLebanon

هل ينجح بري – جنبلاط في اجتراح تسوية قبل انزلاق الأمور إلى مزيد من التعقيد؟

هل بإمكان السياسي المخضرم المحترف الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ان ينجحا في اختراق جُدُر الأزمة السياسية الراهنة عبر مبادرة تدوّر الزوايا قبل أن تنزلق الأمور الى مزيد من التعقيد شأنهما في محطات مماثلة سابقة، أم أن تعقيدات الأوضاع واتساع حدود اللعبة في هذه المرحلة تجاوزت قدرتهما على اجتراح التسويات؟

هذا السؤال أثير في الأوساط السياسية مساء الأحد الماضي لحظة خرج النائب جنبلاط ليتحدث من على منبر الاعلام في مقرّ الرئاسة الثانية عقب اجتماعه بالرئيس بري، مستخدماً لهجة مفعمة بالتواضع فحواها أن البحث بينه وبين رئيس المجلس تمحور على إمكان إيجاد حلول قبل أن تذهب الأمور نحو الأسوأ.

وعليه كانت الآمال المخفوضة لزعيم المختارة وتوقيت زيارته لصديقه القديم أمرين لافتين في هذه المرحلة بالذات بروز عناصر تعقيدية في لعبة الداخل وتطورات ميدانية متفجرة على الحدود الشرقية من شأنها فتح الأبواب على حسابات واحتمالات مجهولة في مرحلة التحولات الكبرى في المنطقة.

لم يعد جديداً القول إن بري وجنبلاط شكّلا طوال حقبة زمنية طويلة ثنائياً مميزاً لديه أكبر قدر من الثقة بالقدرة على الفعل وأكبر مساحة مشتركة من الرؤية لمعظم القضايا، واستطراداً لديهما التشخيص نفسه للأوضاع وقاسمهما المشترك دوماً إيجاد حلول تحفظ موقعيهما وامتيازاتهما في المعادلة الداخلية. إلاّ أن هذا التقاطع أصيب بالاهتزاز أخيراً بحسب معلومات، خصوصاً بعدما تنكب جنبلاط لعبة تسويق تسوية تقوم على مبدأ القبول بتسمية العميد شامل روكز قائداً للجيش كمخرج يحول دون بلوغ الأمور نقطة الانسداد.

وعلى رغم أن بري لم يفصح بالأصل عن موقف حاسم من هذا الموضوع، إلا أن مقربين منه تحدثوا عن انه لم يكن مرتاحاً لمسألة تفرّد حليفه بهذا الطرح من دون التنسيق معه أو الوقوف على خاطره.

ولم يكن هذا التباين الذي ظلّ قيد الكتمان ليفسد في ودّ التلاقي بينهما على قضية أهم وعلى قاسم مشترك أكبر وهو نظرتهما الى الرئاسة الأولى ورغبتهما الضمنية في انتاج رئيس توافقي يكرّس لعبة المصالح المضمونة في داخل تركيبة النظام القائم على المحاصصة المضبوطة على الشعرة، لذا فمن البديهي انهما لن يتحمسا للسير في ركاب خيار رئاسي آخر من شأنه أن يفتح أبواب الاحتمال على تغيير في قواعد اللعبة المألوفة التي تضرب جذورها الى مطالع تسعينات القرن الماضي.

من البديهي الاشارة الى أن الأوساط السياسية القريبة منهما تتحدث ضمناً عن تباين ما زال قائماً بينهما حيال شخصية الرئيس المقبل، فالاثنان (جان عبيد والعماد جان قهوجي) اللذان ما زال بري يراهما مؤهلين لمنصب الرئيس التوافقي لا يبدي جنبلاط حماسة لهما.

ومع ذلك فان لدى بري وجنبلاط إيماناً غير محدود بان قطبي اللعبة الأكبرين في البلاد، أي “حزب الله” و”تيار المستقبل”، لم يبارحا بعد قناعتهما بالا يتجاوزا الخطوط الحمر ويصلا الى مرحلة التصادم المباشر بينهما وكل من منطلق حسابات مختلفة.

وعليه فان زعيمي “أمل” والاشتراكي لا يخفيان اطلاقاً ان الحوار المتوالي فصولاً بين هذين القطبين (“الحزب” و”المستقبل”) قد ولد واستمر من رحم تنظيرهما أكثر مما هو تجسيد أو تلبية لتوجهات اقليمية، علماً أن ثمة من يجد ثنايا هذا السلوك للزعيمين انزياحاً عن موقعيهما الأساسيين جعلهما يتحولان لاعبين في ملعب الآخرين.

بناء على كل هذه المعطيات والوقائع فان لقاء بري – جنبلاط الأخير في هذه اللحظة هو في ميزان العارفين محاولة منهما:

– لاستكشاف حجم الحراك السياسي في ظل التصحر وانسداد الأفق السياسي، او بمعنى أكثر وضوحاً ثمة من يرى أن الزعيمين قد ولجا عتبة البحث في مبادرات ممكنة لتحاشي الأسوأ وبلوغ مرحلة الشلل أو السقوط الحكومي، وهو واقع مرّ لا يجدان نفسيهما أو مصالحهما فيه إطلاقاً.

– لتدارك تداعيات الحرب التي بدأها “حزب الله” في جرود القلمون السورية ثم في جرود عرسال اللبنانية على توازنات الداخل، واستطراداً على المشهد السياسي عموماً، لا سيما بعدما اطلق “تيار المستقبل” العنان لمخاوفه وتحذيراته سابقاً وحالياً، وبعدما حققت مجموعات “حزب الله” تقدماً ميدانياً لافتاً اسقط العديد من الرهانات لاحقاً.

– البحث في أفق ملف الرئاسة الأولى بعدما تيقّنا بأن حركة الموفدين الدوليين لهذه الغاية كانت صفرية النتائج، بل بالعكس تبين لهما إن ملء الشغور الرئاسي مسألة ليست ذات أولوية لدى العواصم المعنية مما يشي بأن الفراغ الرئاسي مديد.

– النظر في أبعاد تطور أخذ حجمه في المشهد الداخلي وهو نتائج الحوار “العوني” – “القواتي” وأفق ما صدر عنه واحتمالاته المستقبلية. وحيال كل ذلك فالسؤال المطروح هو: هل بإمكان اجتماع هذين القطبين أن يغير، كما هي العادة، من واقع الحال المفروض في هذه اللحظة؟

العارفون بشؤون القطبين على يقين من أنهما في رحلة استشراف وسبر أغوار أكثر مما هما في مرحلة تصد لمهمة مقاليد أمرها هي في يد لاعبين آخرين حساباتهما تتخطى حدود الحسابات المحلية، بدليل أن جنبلاط نفسه حرص كل الحرص في عين التينة على ألا يفرط بالرهان وإلا يطلق الوعود الكبيرة.

وبشكل أو بآخر، ثمة من يرى ان لقاء عين التينة الأخير هو في الوقت نفسه نوع من استدراج العروض، فهل سيجدان من يلجأ اليهما ويسلمهما الأوراق؟