Site icon IMLebanon

هل يكون مصير طهران مثل بغداد 2003؟

           

بين خريف العام 2001 وربيع 2003، أطاح الأميركيون بنظامين كانا على عداوة مع إيران: “طالبان” في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق. لم تكن طهران مرتاحة لما جرى فقط، بل تشاركت مع الأميركيين، من خلال تشجيعها حلفاءها المحليين في البلدين (تحالف الشمال في أفغانستان وكان يضم “حزب الوحدة الإسلامية” الموالي لطهران، و”قوات بدر” التابعة لـ “المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق”) على المشاركة العسكرية في نشاطات رديفة للغزو الأميركي للبلدين. شارك حلفاء طهران في ترتيبات حكم كابول وبغداد في مرحلة ما بعد غزو البلدين.

 

 

أنتج التغييران في كابول وبغداد وضعاً إقليمياً جعل من إيران لاعباً كبيراً في المنطقة، من خلال قوى موالية، لها دورها الفاعل في دول عدة في المنطقة، منها: “حزب الوحدة الإسلامية” في أفغانستان، والقوى الحليفة لطهران في العراق التي اتضحت غلبتها منذ تشكيل الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر ما سمي “مجلس الحكم” في 13 تموز (يوليو) 2003، الحوثيون في اليمن (في تمردهم الأول على حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في عام 2004)، حركة “حماس” التي سيطرت على غزة في عام 2007، “حزب الله” الذي أصبح الرقم الصعب في لبنان منذ عملية 7 أيار (مايو) 2008. وهذا ما دعى القائد السابق لـ “الحرس الثوري” الإيراني، المستشار العسكري لخامنئي الجنرال رحيم صفوي في عام 2009، إلى القول إن “إيران هي الدولة الاقليمية العظمى”. على الأرجح أن إدارة بوش الابن التي غزت أفغانستان والعراق لم تحسب “اليوم التالي” الذي يعقب الغزو. ومن يقارن بول بريمر بالمعتمد البريطاني كرومر في مصر بعد احتلال العام 1882 يلاحظ كم أن الأميركيين غزاة ومحتلون فاشلون.

 

من خلال مكاسب إيران الإقليمية التي قدمتها لها أميركا على طبق من فضة، انطلقت طهران في عملية استئناف برنامجها لتخصيب اليورانيوم في آب (أغسطس) 2005، ما شكّل بداية المجابهة الأميركية – الإيرانية. وعلى الأرجح، كان قرار المجابهة في واشنطن التي اتخذت عقوبات اقتصادية ضد إيران، تزامنت مع محاولة إنشاء معسكر إقليمي مضاد لطهران، في اتجاه أميركي جديد حاول إفقاد الإيرانيين ما كسبوه من نتائج الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق.

 

بعد عشر سنوات من المجابهة، اختار الرئيس السابق باراك أوباما في 14 يوليو 2015 الحل الوسط مع طهران عبر توقيع “اتفاق الـ 5+1” حول البرنامج النووي الإيراني، الذي تضمن تفكيك هذا البرنامج، مع غض نظر أميركي عن البرنامج الصاروخي لطهران، وعن تمدد إيران في الشرق الأوسط.

 

وفي الثامن من مايو 2018، اختار دونالد ترامب سياسة المجابهة مع إيران من خلال سحب التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي، واتجه منذ الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 (تاريخ استيلاء طلاب إيرانيون موالون للخميني على السفارة الأميركية في طهران العام 1979)، نحو سياسة الضغط الاقتصادي من أجل إجبار طهران على حل يشمل القضايا الثلاث: البرنامج النووي (أبعد من نطاق العام 2025 المحدد في اتفاق الـ “5+1”)، البرنامج الصاروخي، ووضع إيران في الإقليم.

 

هنا، نجد في تصريحات المسؤولين الأميركيين، بما فيهم الرئيس ترامب وبرايان هوك (مسؤول الملف الايراني في الإدارة الأميركية) وجيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي السابق الذي استقال في كانون الأول (ديسمبر) 2018، اتجاهاً إلى حل يعتمد “تغيير السياسة الإيرانية” و”ليس تغيير النظام الإيراني”.

 

إن سلاح العقوبات الاقتصادية هو السلاح الأميركي الرئيس لإقناع طهران بالقبول بالشروط الأميركية. لكن ما اتضح من خلال عملية تخريب ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، وضربات الطائرات المسيرة الحوثية لأنابيب النفط في السعودية أن طهران لا تلجأ إلى المجابهة المباشرة، بل تلجأ إلى تسخين مدروس من خلال وكلاء معلنين في صنعاء أو عبر “المجهول المعلوم” في عملية الفجيرة، لترسل رسالة مفادها أنها قادرة على الضرب خارج نطاق المنطقة الممتدة بين شمال الخليج وجنوبه إلى أبعد من “مضيق هرمز”، وأنها قادرة بالتالي على إشعال عموم المنطقة. وفي الوقت ذاته، يحمل الاعتداءان الأخيران معان عدة، فهما يعتبران بمثابة تصعيد مدروس ومنضبط الأفق، توحي إيران من خلاله بأنها تريد حلاً غير عسكري، من خلال التلويح بمخاطر المجابهة العسكرية والإيحاء للطرف الآخر بمحاسن الحل التفاوضي، إضافة إلى أنهما يعكسان مدى الضيق الإيراني من الوضع الذي أنشأه دونالد ترامب منذ الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2018، واستعجال طهران وإلحاحها فك التضييق الترامبي. بالتالي، يمكن اعتبار ما جرى أقرب إلى صراخ إيراني تألمي يعبّر عن “وضع الذات” ورسالة تحذيرية إلى “الآخر” في الوقت ذاته.

 

من جهة أخرى، ما زالت واشنطن مصابة بعقدة العراق، كما كانت مصابة في السبعينات بعقدة فيتنام.

 

وعلى رغم تعاكسهما في كثير من القضايا، فإن أوباما وترامب يتفقان على تجنب العمل العسكري الأميركي في الخارج. الأول عبر اتجاه انسحابي من الشرق الأوسط باتجاه التركيز على الشرق الأقصى لتطويق الصين، فيما يستخدم ترامب الاقتصاد وليس العسكر، من أجل فرض الأجندات الأميركية على الخارج، وهذا ما يتضح من سياسته تجاه الصين وإيران. على الأرجح، أن ترامب سيتجه نحو إبعاد موسكو عن طهران، مستغلاً تناقض مصالحهما في سورية. وربما يكون إبعاد الإيرانيين وتحجيم نفوذهم في سورية عبر ممر محدد، يتجلى بتسوية سياسية سورية جديدة تنبع من طبخة أميركية – روسية مشتركة، تكون بمثابة نسخة معدلة عن القرار2254 وأكثر إغراء وإرضاء لبوتين. وعلى الأغلب، لن يكون الاجتماع الأميركي – الإسرائيلي -الروسي المقرر هذا الشهر في القدس، بعيداً عن ذلك.

 

أما في اليمن، فيمكن أن يكون تضييق الخناق العسكري على الحوثيين، وسيلة للضغط على خامنئي، وكذلك جعل الوضع اللبناني غير مريح لـ “حزب الله”، فيما تبقى أقل نقاط الضعف الإيرانية في كل من العراق وأفغانستان. يمكن هنا أن يكون الوضع الداخلي الإيراني بمثابة الخاصرة اللينة لحكام طهران، ذلك أنه يمكن أن ينفجر بسبب التأزم الاقتصادي. وعلى الأغلب سيكون وضع خامنئي مختلفاً عما كان عليه عند مواجهة “الثورة الخضراء” في حزيران (يونيو) 2009، عندما امتنع أوباما، الذي كان منخرطاً في مفاوضات سرية مع الإيرانيين في مسقط منذ مايو 2009، عن استغلالها.

 

ليست إيران اليوم قوية كما كانت أمام أوباما عند توقيع اتفاق العام 2015، ولكنها ليست ضعيفة إلى الحدود التي كان عليها العراق عام 2003.

 

ختاماً، يجدر القول أن علي الخامنئي ليس مثل الملا عمر أو صدام حسين، كما أن دونالد ترامب ليس مثل جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات 11 (سبتمبر) 2001. فالوضع اليوم مختلف، وبالتالي فإن الحرب لن تحصل على الأرجح، لا بل إن التسوية الأميركية – الإيرانية هي المرجحة، لكنها لن تكون لصالح إيران كما كانت تسوية أوباما – خامنئي في عام 2015.