وقف الهدر وسرقة المال العام ورفع الغطاء عن المرتكبين البوابة الرئيسية للإصلاح
هل تنجح إجراءات «لقاء بعبدا» في وقف الإنهيار الإقتصادي والمالي؟
الثقة المفقودة بين القوى السياسية علّة العلل ومكمن الخلل الذي أوصل البلد إلى هذا المستوى من الإنحدار
لو كانت هناك نوايا جدية وتوجه حقيقي لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية لكان دعي إلى «لقاء بعبدا» الهيئات الاقتصادية، والاتحاد العمالي العام، وأصحاب الاختصاص، وشارك أهل السياسة هؤلاء آراءهم وطروحاتهم للخروج من هذه الأزمة، أما وقد اقتصر اللقاء على جمع قوى سياسية تضرب فيها الخلافات بالطول والعرض فهذا يعني ان الرغبة الموجودة لدى العديد ممن حضر اللقاء في وضع حدّ للتدهور الاقتصادي وزيادة الإنتاج وعلاقات التنفيذ العملي لمؤتمر «سيدر» لم تترجم بشكل صحيح خلال هذا الاجتماع الذي خلص الى مقررات لم تكن على مستوى الآمال المعقودة عليها.
صحيح ان «لقاء بعبدا» يكاد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي بغض النظر عن الإجراءات التي تمّ التفاهم عليها والتي في غالبيتها إجراءات موجعة لمعظم الشعب اللبناني، خصوصاً وأن مؤسسة «ستاندر أند بورز» لتصنيف الإئتمان قد اعطت لبنان مهلة ستة أشهر لتصحيح أوضاعه الاقتصادية والنقدية وهي المهلة التي التزم بها «لقاء بعبدا» لتنفيذ ما جاء في الورقة التي تمّ التفاهم عليها، الا ان ما جاء في سياق البيان يبقى كلاماً انشائياً غير ذي جدوى ما لم يقترن بإجراءات تمهيدية تعبِّد الطريق امام اللجنة التي انبثقت عن هذا اللقاء لوضع المقررات موضع التنفيذ ضمن المهلة التي أعطيت إليها، وأولى الإجراءات المطلوبة القيام برفع الغطاء السياسي عن المرتكبين في الإدارات والمؤسسات العامة، ووقف الهدر، وسوق من تثبت التهم عليه إن في مجال هدر المال العام أو الفساد، ففي حال جنح أهل السياسة في هذا الاتجاه فهذا يعني اننا خطونا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل باتجاه الإصلاحات وبدأنا في استعادة الثقة التي باتت مفقودة بين الرأي العام والقوى السياسية والتي تعتبر معضلة أساسية من المعضلات التي اوصلت لبنان إلى هذا المستوى من الانحدار على كافة المستويات لا سيما على المستويين الاقتصادي والمالي.
تقول أوساط مطلعة ان التجارب السابقة في معالجة هذه الأزمة المستفحلة منذ سنوات لا تشجّع ولا تبعث على التفاؤل، إذ لا يكفي ان نسمع مواقف وخطابات داعية للاصلاح ولا نرى أي ترجمة فعلية لهكذا توجه على أرض الواقع، فمن من عامة الشعب لا يعرف الفاسدين والناهبين للمال العام بالأسماء، حتى انهم يعرفون مواقع بيوتهم، وهذا يعني انه إذا كان هناك نوايا حقيقية بالاصلاح فإن ذلك لا يتم من خلال التصاريح والمزايدات، بل من خلال إعطاء الضوء الأخضر للسلطات القضائية والأمنية للقيام بواجباتها بعيداً عن أي تدخلات سياسية، عدا ذلك فمن الغبن التفتيش عن حلول لهذه المشاكل التي باتت تضع مصير لبنان على المحك في ظل تزايد التحذيرات الدولية من الاستمرار في النهج الحالي لناحية مقاربة هذه الملفات وعدم الانتقال إلى مرحلة الإصلاح الحقيقي والشفاف البعيد كل البعد عن المحسوبيات والمصالح الشخصية، ناهيك عن المهلة المعطاة للبنان لاتخاذ إصلاحات جوهرية تحت طائلة تخفيض إضافي للتصنيف.
وتسأل الأوساط لماذا لا يُصار إلى فتح حوار ونقاش حول التوصيات التي صدرت لسد أي ثغرة تظهر هنا أو هناك، وحتى تحظى هذه التوصيات بمباركة من الهيئات الاقتصادية والعمال على حدّ سواء، لأن بروز معارضة في الشارع حيال رزمة الإجراءات التي اتخذت فإن ذلك سيجعل من الصعب تنفيذها وهي إن نفذت لن يكون ذلك بالزخم نفسه الذي لقيته لدى بعض القوى السياسية.
وتستغرب هذه الأوساط كيف يُمكن وصف ما حصل بالخطة الاقتصادية المتكاملة لوقف الانهيار وقد حذف منها بحسب المعلومات كل النقاط التي كانت تطال الطبقات الميسورة؟ فعملية الانقاذ لا يُمكن ان تتم الا من خلال عدم المس بالطبقات الفقيرة والذهاب بدلاً من ذلك إلى وقف الهدر والنهب ورفع الغطاء السياسي عن المرتكبين وإسقاط المحسوبيات من أي تعيينات في الإدارات العامة وكل ذلك لم تقم به الدولة حتى هذه اللحظة، وما دامت الأمور كذلك فإن الإصلاح يبقى بعيد المنال.
وتجد الأوساط نفسها ان الحل السريع للأزمتين الاقتصادية والمالية يكون من خلال اشراك أصحاب الاختصاص بأخذ القرار، ولا ضرر في اللجوء إلى تشكيل حكومة تكون مكوناتها من المتمرسين بالشؤون الاقتصادية والمالية يشرعون في وضع خارطة طريق إنقاذية لا تأخذ في حساباتها أي معطى سياسي وتضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار، لأن الإجراءات التي اتخذت في لقاء بعبدا سبق وأن أخذت الحكومة الحالية وحكومات سابقة الإجراءات ذاتها وبقيت الأزمة، وهو ما يحمل على التشكيك في إمكانية الوصول إلى حلول، سيما وأن القرارات التي اتخذت هي قرارات مشلولة، ولم تكن واضحة لناحية الضرائب والرسوم وبقيت قرارات عامة.