في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها لبنان، وفي زمن سلسلة الرتب والرواتب وأزمتها، يتساءل البعض عمّا اذا كانت الكنيسة ستبادر استثنائياً لتخفيف الاعباء عن الشعب العاجز عن دفع الاقساط المدرسية والشبّان غير القادرين على الزواج والانجاب، وإن أنجبوا فإنما ينجبون ولداً واحداً، فيما تُصرّ الكنيسة في عظاتها على ضرورة الانجاب غافلة عن الاسباب الحقيقية التي تمنع المواطنين من تلبية ندائها.
تشير الدراسات والتقارير الى انّ العقارات المسيحية التي بيعت على كل الاراضي اللبنانية وما زال بعضها معروضاً للبيع، تُعرّض الجغرافيا للخطر، فالمساحات تضيق والحريات معها، والضعف في الديموغرافيا يتبعه ضعف في الوضع السياسي يؤكده غياب الحضور المسيحي في الدولة.
وتشير المعلومات الى أنّ اي وزارة من وزارات التنمية والتخطيط لم تأخذ في الاعتبار الدراسات حول وظائف المسيحيين في الادارات العامة، كتلك التي قدمتها موسسة «لابورا» وركزت على وضع كل دائرة ووزارة من حيث التوازن الطائفي والمهنية وتطبيق القوانين. ويلفت المتابعون الى عدم وجود جَو مؤآت في البلد لتطبيق هذه الدراسات، والأخطر انّ هناك شبه إجماع على عدم تغيير هذا الوضع.
الخريطة الجديدة
ويتساءل المواطنون المسيحيون في الوقت الذي تبدو المنطقة مُقبلة على خريطة جديدة والجميع يفتّش عن دور له وحصة، أين هم من هذه الخريطة وما هو دورهم من هذا المشروع الجديد وأين مرجعياتهم من كل هذا؟ كذلك يتساءل المتضررون من الوضع الحالي في الادارات العامة واولئك الذين لم تشملهم سلسلة الرتب والرواتب: هل ستقوم الكنيسة بمبادرات استثنائية تساعدهم او تساندهم في هذا الوضع الاستثنائي؟
في هذا الاطار إستوضحت «الجمهورية» راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر، فقال سائلاً: «هل الكنيسة أقوى من الدولة؟ قد تكون كذلك جوهرياً وفكرياً او روحياً، لكنها مالياً ليست أقوى». كذلك تساءل عن موازنة الدولة مقارنة مع موازنة الكنيسة؟
وقال: «لا يمكن المقارنة بينهما لأنّ موازنة الدولة تُقدّر بالمليارات». مضيفاً «أنّ الدولة تُسخّر الشعب والملايين لتحصد الضرائب بهدف تأمين سلسلة لثلث تلامذة لبنان، متسائلاً عمّن سيؤمّن السلسلة للثلثان المتبقيان من التلامذة؟، معلقاً: «شو بدها الكنيسة تغطّي تا تغطّي». ومعتبراً «أنّ الذي يحصل هو خطأ كبير وغير عادل، ولا يمكن رَمي المسألة على «كتف الكنيسة» وتحميلها مسؤولية».
ولاحظ مطر أنّ المزايدة هي سيّدة الموقف، وأن النواب يزايدون لأهدافهم الخاصة ولكسب معاركهم الانتخابية لأنه همّهم الوحيد، وإلّا لكنّا نرى المشهد مختلفاً». وقال: «الكنيسة تصبح في نظرهم عاطلة لأنها زادت الاقساط وهي بذلك تَمتصّ دم الشعب، فيما تكون الكنيسة صالحة في نظرهم اذا أمّنت تغطية الزيادة». وسأل: «من أين وكيف ستأتي الكنيسة بهذه الاموال الطائلة، خصوصاً انّ نفقات السلسلة تصاعدية؟
وكذلك الزيادة التي أقرّت مَن سيغطّيها؟». مؤكداً من انّ الكنيسة تقوم بما يلزم لشعبها ولرعيّتها، وانها ساعدت وما زالت وما زلنا نساعد بمقدار استطاعتنا، سائلاً الدولة اللبنانية لماذا لا تفعل؟ ودعاها الى تغطية السلسلة خصوصاً أنها هي مَن أقرّتها»، حسب قوله.
وكشف مطر انّ «رئيس مجلس النواب نبيه بري «قال لي هذا الكلام شخصياً، وأيّدني في القول من انّ الدولة هي من يجب عليها تغطية السلسلة، ووعدني ان يعمل شخصياً على هذا الأمر» ولفت مطر الى أنه لا شيء يمنع من تعديل بعض النصوص في قانون السلسلة، كإضافة بعض البنود الخاصة او إزالتها او ما شابه. موضحاً أن كل شيء ممكن تعديله اذا كان للمصلحة العامة».
وأضاف: «الكنيسة ليست مقصّرة، وهي ليست الدولة، وقد قدّمت مدارسها، وحتى الاراضي، إنما اليوم لا أحد يشتري الاراضي». واعتبر «أنّ الكنيسة ليست دولة، وعلى رغم ذلك سنقدّم ما لدينا. لكنّ الدولة اللبنانية تجبي الضرائب وتحكم الشعب وتقول انّ الهدف مساعدته، إنما الذي نتج من مساعدتها انها تريد تعليم جزء من تلامذة الوطن، فيما السؤال: لماذا لا تعلّم جميع التلامذة؟».
وقال مطر: «في ما يخصّنا، نحن نقدّم في مدارسنا مساعدات بقيمة 4 مليارت ليرة في السنة ولم تعد لدينا أموال كافية نقدّمها، فيما الزيادة الجديدة تتطلّب المليارات وهي ليست ممكنة. فإذا كانت الدولة بقرارها «ترميها» على مدارسنا فهي بذلك تقتلها، واذا ارادت ذلك فليكن، فلنقفل مدارسنا ولتفتح هي مدارسها. لكننا في المقابل نسأل: لماذا تريد الدولة قتل المدارس الخاصة فقط؟
فإذا ارادت ذلك لا مشكلة لدينا، فلتتولَّ هي مهمة التعليم في لبنان». وأكد «انّ الكنيسة، وعلى عكس ما يروّجه البعض، شَيّدت نحو 5 آلاف شقة سكنية حتى اليوم لمساعدة الشباب المسيحي وبأسعار متدنية.
وهي تتولى هذه المهة والصندوق الماروني يعمل جدياً في هذا الاطار، كذلك تعمل الطوائف الارثوذكسية والكاثوليكية بدورها في الاطار نفسه». وأوضح «أنّ المشكلة ليست في الإسكان او توفير الشقق للشبّان، بل هي في إيجاد فرَص العمل لأنّها انقرضَت.
والسؤال المطروح: ماذا ينفع توفير المسكن للشبّان اذا لم نؤمّن لهم فرَص العمل؟». وختم: «نحن نكافح منذ 2000 عام وسنبقى بقوة الله صامدين. فنحن أبناء الرجاء، وكمسيحيّين ما زلنا أفضل من غيرنا بكثير، مقارنة بمسيحيّي الشرق، لأنّ مسيحيي لبنان لا يَشكون إنما مشكلتهم الحقيقية هي مشكلة إقتصادية، وهي مشكلة لبنانية عامة».