الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت السنة الاولى من عمر عهد الرئيس ميشال عون، مثل سلسلة المعلمين، وتصحيح اجور العمال والمستخدمين والمياومين، والتي اعتقدت الدولة والمواطنون، انها انجزت، ولم تعد تسبب وجع رأس للحكومة والعهد، انفجرت من جديد في السنة الثانية للعهد، وانفجر معها ملفات اخرى لا تقلّ عنها أهميّة، هي ملفات موروثة من عهود مضت، ولم تجد لها حلولاً، مثل ازمات الماء، والكهرباء، والبطالة، وارتفاع الاسعار، والتلوّث، والنزوح السوري، وتزايد الدين العام، وازمة النفايات، وانضمّ اليها ازمة تكاد ان تصبح سيّدة الازمات، هي الخلاف المتصاعد بين الرئيس عون، وبين رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، ويرجّح كثيرون من المراقبين، انه اذا لم يجد لها المعنيون بالأمر، الحلّ السريع والمقبول، ستتحوّل الى تسونامي، سياسي الوجه، طائفي المضمون، وستكون له تداعيات على مختلف الاوضاع في لبنان، هذه الازمة هي ازمة مرسوم ترقية الضباط، التي اعادت التوتر الى العلاقات بين عون وبرّي، وقد يتوسّع هذا التوتر ليطول جهات اخرى، بدأت تدلي بدلوها، بعضها لصالح عون، والبعض الآخر لصالح برّي.
الرئيس عون مصرّ على الاحتكام للقضاء، وبرّي يعتبر المرسوم مخالفة صارخة للدستور وللقاعدة الدستورية التي تسمّى «مداورة الاصول»، ويطلب الاحتكام الى مجلس النواب، ويبدو ان برّي، برفضه تحديد موعد للقاء مع رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يسعى لتقريب وجهات النظر بين الرجلين، قد عزم على تنفيذ «جهاده الاكبر» ضد عهد عون، وكشف في الحلّ الذي اقترحه، بأن يمرر المرسوم الى وزير المال علي حسن خليل لتوقيعه، انه يريد ان يكرّس العرف بأن يتولّى شيعي وزارة المال في اي حكومة مقبلة، في حين ان عون يرفض تكريس هذا العرف، وقد يكون تحريك عمال ومياومي مؤسسة كهرباء لبنان، وامتناعهم عن تصليح اعطال الكهرباء، جزء من هذا الجهاد الذي يأخذ وجوهاً مختلفة مع مرور الايام.
* * * * *
التيار الوطني الحرّ، المعني بالخلاف بين عون وبرّي، لم يستبعد ان تكون هناك حملة مبرمجة ضد رئيس الجمهورية وعهده، وكانت مقدمة نشرة الاخبار امس على التلفزيون البرتقالي، تعكس غضب التيار الوطني واتهامه فريقاً او افرقاء، «فتحوا في وجه العهد كل المعارك الخبيثة، واستعملوا كل الضربات من تحت الزنّار…» وحتى لو لم يشر التلفزيون الى الجهة التي يعنيها، الاّ ان المقصود بها هو الردّ على المكتب الاعلامي للرئيس برّي، وعلى النائب نقولا فتوش الذي اعتبر ان المرسوم غير قانوني لأنه يخالف المادة 47 من قانون الدفاع التي تنصّ على ان «الأقدمية لا تعطى الاّ لمن قام بأعمال باهرة…» وهذا الشرط غير متوفر بضباط «دورة عون».
المحرج الأكبر في هذه الازمة غير الصامتة بين بعبدا وعين التينة، هو اولاً امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، حليف عون وبرّي، وثانياً رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي وقع المرسوم ثم جمّد نشره، وهو على علاقة جيدة بالطرفين، لكن جهوده، بعيداً عن الاضواء، لإيجاد حلّ يرضى عنه عون وبرّي، تضيع بين عناد الرجلين، وتمسّك كل منهما بموقفه، وينقل عن مقرّبين من الحريري، انه، مع تصاعد نبرة الخلاف، بدأ يشعر بخطورة ما يمكن ان يواجه لبنان من خضّات على ابواب الانتخابات النيابية.
يكفي الاستشهاد بالمثل القائل «تخاصم الريح مع الشراع، فدفع المركب الثمن» لنعرف تعاسة اللبنانيين بوجود هكذا نظام…