بعيدا عن صخب «فجر الجرود» و«ان عدتم عدنا» على حدود السلسلة الشرقية، وما بينهما من اشتباك سياسي داخلي على اكثر من محور، تشهد الجبهة الجنوبية حربا من نوع آخر ساحتها مجلس الامن الدولي على خلفية التجديد لقوات الطوارئ الدولية، ما قد يوسع هامش المخاوف من اندلاع مواجهات على تلك الجبهة وهز الاستقرار، خدمة لمصالح اسرائيلية معينة ارتباطا بما يحكى عن قرب انتهاء النزاع السوري.
مصالح اسرائيلية انعكست على ما يبدو في اروقة مجلس الامن الدولي الذي يستعد للتصويت على قرار تمديد عمل قوات الطوارئ الدولية المعززة في جنوب لبنان،بعد مناقشة تقرير الامين العام للامم المتحدة حول تطبيق القرار 1701، اذ اشارت مصادر ديبلوماسية ان البعثة اللبنانية في نيويورك تبلغت معلومات عن اجراء المندوبة الاميركية اتصالات «ثنائية» باعضاء في مجلس الامن لجس النبض حول توسيع مهام اليونيفيل وتعديل قواعد اشتباكها ،في تنفيذ للتعهدات التي قطعتها واشنطن، ودفعت برئيس الوزراء الاسرائيلي الى زيارة موسكو، حول ضمان امن اسرائيل بعد الاتفاق الدولي على تسوية مرحلية في الجنوب السوري، والذي رأت فيها تل ابيب فرصة لايران لتنمية نفوذها على طول الجبهة الشمالية من الجولان الى الناقورة.
وتكشف المصادر ان اجواء الزيارة الاسرائيلية الى روسيا جاءت وفقا لما تشتهيه سفن تل ابيب، حيث اعادت موسكو التاكيد على موقفها بانها ليست طرفا في الصراع الاسرائيلي- الايراني وهي غير معنية بذلك، وقد اقرنت عمليا قولها بالفعل عندما غضت الطرف عشرات المرات عن غارات نفذها سلاح الجو الاسرائيلي داخل الاراضي السورية، دون ان يحصل في المقابل على قرار حاسم حول تعديل القرار 1701 الخاص بلبنان.
وبحسب ما تسرب فان النسخة الاولية التي يعمل الاميركيون على تسويقها تركز على مجموعة من البنود المحددة تشمل النقاط التالية، الانتقال من حالة وقف الاعمال العدائية الى اعلان وقف اطلاق نار، رفع عديد هذه القوات وتسليحها وتغيير قواعد اشتباكها، توسيع انتشارها في القرى والبلدات الجنوبية ،يضاف الى ذلك طرح مسألة انتشارها على طول الحدود البرية اللبنانية بين سوريا ولبنان بما يسمح بوقف عبور قوافل السلاح والمسلحين في الاتجاهين عبرها، ويخفف بالتالي من مخاطر الصدام في الاجواء السورية، من جهة، ويقطع خط الاتصال البري الممتد من طهران الى بيروت.
الملاحظ انه في حين تطالب الولايات المتحدة بتكثيف دوريات اليونيفل ومنحها الادوات الفاعلة لرصد الخروق التي تبدو ملحوظة للجميع والمتمثلة بانتشار المجموعات المسلحة التابعة لحزب الله في الجانب اللبناني، يتعجب البعض من الكلام عن منح القوة المؤقتة في لبنان صلاحيات اكبر في ضوء تخفيض الميزانية من مطلع تموز من العام الحالي وحتى حزيران المقبل لتصل الى 483 مليون دولار اميركي في اطار اللجنة الخامسة المنبثقة عن الجمعية العامة. ففي المقارنة مع الميزانية السابقة لـ«اليونيفل» بحسب ما اقرته اللجنة في الدورة السبعين، كانت الميزانية 488 مليونا ونحو691 الف دولار استعملتها القوات الدولية في الفترة ما بين مطلع تموز 2016 الى نهاية حزيران الفائت، اي ان الفارق 4.7 مليون دولار اميركي تقريبا، رغم ان «اليونيفل» حظيت بتخفيض بسيط لميزانيتها مقارنة بالتخفيض الاكبر نسبيا الذي طاول بعثات حفظ السلام الأخرى.
وفي هذا الإطار، اكدت مصادر مقربة من «اليونيفيل» ان لا تغيير جوهريا، اقله في الوقت الراهن سيطرأ على دور تلك القوات، اذ من المفترض ان يمر التمديد من دون اي اعتراض مع الابقاء على التفويض نفسه في ولاية القوة المؤقتة في لبنان لجهة المهام والعديد، مشيرة الى ان قيادة الناقورة ترفع تقارير دورية دقيقة حول الانتهاكات على طرفي الحدود الى القيادة في نيويورك، كما ان خطوط التواصل مفتوحة مع الجهات اللبنانية كما الاسرائيلية على الحدود لضبط اي حادث ومنع تطوره،مشيرة الى ان الفترة الاخيرة شهدت سلسلة تحركات مثيرة للريبة على الجانب اللبناني، مبدية تفهمها للقرار اللبناني في الفترة السابقة بسحب الجيش لعدد من الويته وخفض انتشاره في منطقة جنوب الليطاني، خلافا لمندرجات القرار 1701 الذي نص على الزام لبنان بنشر 15000 جندي في هذا القطاع، ما سمح لبعض المجموعات من الاستفادة من تلك الثغرة للتسلل الى المنطقة الحدودية والتحرك بحرية اكبر، معتقدة انه ومع انتهاء الحرب القائمة ضد الارهاب، ستكون الحكومة اللبنانية قادرة على اعادة عديد قواتها في هذا القطاع الى ما كان عليه سابقا.
اوساط سياسية متابعة اعتبرت من جهتها ان ثمة قراراً اميركياً بتحريض اسرائيلي للذهاب بعيدا في هذا الملف، من خلال الايحاء بان تعاونا قائما بين الجيش اللبناني وحزب الله، وهو ما اشارت اليه بوضوح التصريحات السياسية التي هددت بضرب الجيش في حال اندلاع الحرب، ما يفترض رفع عديد قوات الطوارئ لتمكينها من توسيع انتشارها وبالتالي تغطية مكان وحدات الجيش، مدرجة هذا الامر في اطار سياسة التضييق التي تعتمدها واشنطن ضد حزب الله، مستغربة في الوقت ذاته عدم تحرك الحكومة اللبنانية في الخارج عبر اطلاق حملة دبلوماسية مضادة لضمان حقوق لبنان.
فهل الاتجاه الذي انتهجته الجمعية العامة بتقليص ميزانية «اليونيفل» سيعاكسه هذه المرة في مجلس الامن اتجاه اميركي الى توسيع الصلاحيات وتغيير تفويض القوات لتشمل الحدود الشرقية الشمالية للبنان مع سوريا؟ وهل يدفع نزاع موسكو- واشنطن وتداعياته في اتجاه نسف التسوية الكبرى وعودة الاوضاع الى مربع التفجير الواسع وربما الى حرب اسرائيلية -ايرانية على الأرض السورية اذا ما رأت تل ابيب ضرورة لذلك؟