Site icon IMLebanon

هل تُصبح حكومة الوحدة الوطنية «تكنوقراطية» ؟

 

عاد الجميع إلى لغة العقل، وركبوا قطار التسوية الحكومية، بما فيهم «حزب الله»، الذي أعلن قبوله التعاونَ مع الرئيس سعد الحريري من دون أن يسمّيه.

هل هو التوتّر الأميركي-الإيراني الذي سرَّع التسوية؟ هل هي الضربات الإسرائيلية على مستودعات أسلحة «الحزب» والحرس الثوري الإيراني في سوريا؟ هل هي الأوضاع الاقتصادية والـمعيشية الـخطيرة التي وصلت إليها البلاد ؟ أم هي العقوبات الأميركية-الخليجية على «الحزب» التي فرَضت هذه التسوية السريعة وجَعلت حلفاءَه وخصومه يسمّون الحريري؟

مهما يكن، إنّ الـ 111 صوتاً التي نالها الرئيس سعد الحريري تنمّ عن ثقةٍ كبيرة بشخصه وتُكسِبه قوةً وزخماً يساعدانه على التسريع فـي تشكيل الحكومة وفي تذليل الصعوبات التـي تواجهه. ولكن على الرغم من سهولة التكليف تُبدي معظم الكتل والأحزاب تصَلّباً فـي مطالبها لجهة عدد الوزارات التـي ستحصل عليها، وخصوصاً تلك الخدماتية، بعدما حُسم أمر الحقائب السيادية الأربع، وحُسِمت عقبة الـمعادلة الثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة) فـي البيان الوزاري باعتماد الصيغة السابقة فـي حكومة تصريف الأعمال بما يضمن حقّ لبنان في المقاومة واستعادة أراضيه الـمحتلة بالوسائل كافّة.

بمناسبة ذكرى التحرير أعلن السيّد حسن نصر الله أنّ «حزب الله» لم يضع شروطاً ويترك الـحقيبة السيادية لحركة «أمل»، إنّما «يتطلّع إلى حكومة جادة وجدّية يتمثّل فيها أوسعَ تمثيل القوى السياسية والكتل السياسية».

إذاً، كما تبدو الأمور، هناك مرونة واضحة في موقف «الحزب»، أمّا باقي الكتل فشهواتهم السلطوية تتعاظم يوماً بعد يوم وتُسبّب خلافات عميقة داخل المكوّنات الطائفية نفسِها. فالمشكلات والعقد الأساسية التي تعترض تشكيل الـحكومة، تكمن أوّلاً في التمثيل المسيحي وحصص «القوات» و«التيار» ورئيس الجمهورية، وتبدو الأمور بعد هجمات «التويتر» متّجهةً نحو الأسوأ وتحتاج إلى «معراب 2» وربـّما إلى «بعبدا 2» وأكثر، والعقدة الثانية هي مشكلة التمثيل السنّي لأخصام رئيس الـحكومة من أقصى الشمال إلى البقاع الغربي، والعقدة الثالثة هي مشكلة التمثيل الدرزي، بعد تأكيد النائب وليد جنبلاط أنه لن يقبَل بإعطاء أيّ حقيبة لأيّ طرف آخر على الساحة الدرزية، والمقصود هنا النائب طلال إرسلان، أمّا المشكلة الرابعة فهي تـمسُّك حركة «أمل» بحقيبة الـمالية كي تصبح عرفاً ثابتاً غيرَ قابل للبحث.

كلّ هذه الـمشكلات قد تجد لها حلّاً لدى رئيسَي الجمهورية والحكومة ولو احتاجت إلى بعض الوقت، أمّا الـمشكلة الأكبر، لا بل الخوف الأكبر، الذي لـم يُعلنه أحد من الـمسؤولين، فهو أن تتطوّر العقوبات الأميركية-الخليجية وتفرض حظراً على دخول أفراد من «حزب الله» إلى الـحكومة الجديدة، عندئذٍ، يصبح التأليف مستعصياً لا بل مستحيلاً، بعدما كان صعباً ولكن مُمكناً. لذلك يرى البعض أنّ العقوبات الأميركية جاءت لتقطعَ الطريق أمام محاولة وضع يدِ «الحزب» على المؤسسات الشرعية فـي لبنان ومنعِه من تكريس الغطاء السياسي لدوره العسكري «الإرهابي».

إذا تطوّرَت الأمور وأخَذت هذا المنحى السلبي والخطير، عندئذٍ سنتذكّر معاناة الرئيس تمام سلام الذي لم تبصر حكومته النور إلّا بعد عشرة أشهر من المناكفات والتحدّيات والشروط والشروط المضادة، على الرغم من حصوله على 124 صوتاً عند تكليفه. لذلك، ومن أجل إنقاذ الاقتصاد المتهاوي والليرة اللبنانية «الـممسوكة» ومؤتمر «سيدر» وملياراته، لا يبقى أمام رئيسَي الـجمهورية والحكومة إلّا حلّ واحد لا بدّ منه، وهو حكومة «تكنوقراط» تمثّل كلَّ الأطراف والكتل والأحزاب، ولكن أفرادها لا ينتمون إلى أيّ حزب.

كثير من اللبنانيين، وخصوصاً الشباب الذين انتخَبوا لأوّل مرّة، لم يسمعوا يوماً بحكومة «تكنوقراط»، فإلى هؤلاء وغيرهم نُطمئنهم أنّ التكنوقراطيين هم أفراد من المجتمع يمتلكون من العِلميّة والمهنيّة في مجال تخصّصاتهم، ما يَسمح بتسميتهم بالخبراء، وهم أفراد مميّزون بعِلمهم وثقافتهم، ويُفترَض فيهم الإخلاص والأمانة والعمل من أجل تطبيق عِلميّتهم على الواقع السياسي والاجتماعي من أجلِ رفاهية المواطن. ومن المعروف، أنه فـي أغلب الأحيان تذهب البلدان لتشكيل حكومات تكنوقراط عند تردّي الأوضاع الاقتصادية وزيادة البطالة وتفشّي الفساد المالي والإداري ووصول الدين العام إلى مستويات خطيرة، كما هو حالنا.

«ربَّ ضارّةٍ نافعة»، فمسيرةُ الإصلاح التي طال انتظارها، قد تبدأ مع «حكومة العهد الأولى»، وذلك بتحقيق رغبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يطالب منذ عام 2008 بفصلِ النيابة عن الوزارة، والعمل بأقصى سرعة على تعيين هيئة قضائية لمكافحة الفساد.

وهنا، لا بدّ من التذكير بأنّ أوّل حكومة «تكنوقراط» عرَفها لبنان، هي تلك التي شكّلها الرئيس صائب سلام عام 1970 فـي عهد الرئيس سليمان فرنجيه وأعطاها شعار «حكومة الشباب»، وقد لاقت نجاحاً ملحوظاً، حين كانت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قد بلغت ذروتها.

الحكمة تقول: لا نستطيع حلَّ المشاكل المستعصية بنفس العقلية التي أوجَدتها، وقد تكون حكومةُ «التكنوقراط»، حكومةَ الوحدة الوطنية الـمُنتظَرة، والحلَّ الوحيد في حال اشتدّت العقوبات الأميركية على «حزب الله» وتعثّرَت عملية التأليف.

والآية تقول: «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم، والله يَعلم وأنتم لا تعلمون».