بعد بيان بكركي الداعي الى اجتماعٍ مسيحيٍّ مارونيّ موسّع تحت قبّتها لضرورات وطنية، رصد اللبنانيون جميعاً ردّات فعل الأقطاب المسيحية بعد رواج معلومات عن دعوة الراعي الأقطاب الموارنة الأساسيّين شخصياً للحضور لضروراتٍ تفرضها التطورات. في وقت علمت «الجمهورية» ليلاً انّ رحلة الراعي المقررة في العشرين من الشهر الحالي الى الولايات المتحدة الأميركية تأجلت بسبب دقة الوضع الراهن في لبنان وبسبب تضارب موعد الزيارة مع زيارة قداسة البابا فرنسيس الى الامارات، والراعي مضطرّ الى ملاقاته هناك، ولن يستطيع قطع الرحلة ليتوجه الى الولايات المتحدة. لذلك، ارتأت بكركي إرجاء زيارة واشنطن في المرحلة الحالية.
تعتبر مصادر مواكبة للقاء بكركي اليوم أنّ أهمية انعقاده تتعدّى المصالح الشخصية المارونية. إذ إنّ البعدَ السيادي للموارنة هو على المحك، وكذلك مبدأ التوازن في الشراكة الوطنية. وتضيف أنه بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض ونفي العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل واعتقال الدكتور سميرجعجع نشأت «ترويكا حكم» أكلت من الصحن المسيحيّ ومن دوره وحقوقه في الدولة. ولأنّ الممارسة تخلق أعرافاً، لم يستطع المسيحيون تطبيق «إتفاق الطائف» الذي هو في الأساس نتيجة التسوية التي توصّل اليها النواب الذين إجتمعوا في مدينة الطائف السعودية عام 1989، إلّا أنّ هذا «الطائف» لم يطبَّق انطلاقاً من ميزان القوة لأنّ الأقطاب المسيحية كانت مغيّبة عن الساحة، بالنفي أو الاعتقال. فأدّى تطبيقُه الى خللٍ إضافي في صحة التمثيل والتطبيق.
وتُنبّه المصادر نفسُها الى أنه للمرة الأولى الآن، تمكّن المسيحيون من انتخاب رئيسٍ قويّ مستنداً الى كتلة كبيرة في المحلس النيابي ومتسلّحاً بالاتفاقات المهمة التي استطاع إتمامُها مع كافة الطوائف المسيحية والسنّية والشيعية. وتحذّر من «أنّ هذا الرئيس القوي إذا انكسر هذه المرة فلن يسلم بقيةُ الرؤساء من بعده، لأنه سينكسر مسيحياً في البُعد الذي يتعلّق بالشراكة وبالحقوق، وسينكسر غداً سليمان فرنجية أو جعجع أو باسيل أو غيرهم في حال وصولهم الى رئاسة الجمهورية، لأنّ الواقع المفروض لن يتبدّل وسيصبح العُرفُ قانوناً. فإذا استفاد الرئيس ميشال عون هذه المرة من الحصول على «الثلث الضامن» سيستفيد لاحقاً الرئيسُ المسيحي الذي سيأتي من بعده، بل ستستفيد الرئاسةُ والطائفةُ المارونية عموماً في المستقبل البعيد».
وترى المصادر نفسُها «أنّ الخلافَ القائمَ بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» مردُّه الى أنّ الفريقين لم يستطيعا «تقريش» تفاهمهما أو الاستفادة العملية منه، «القوات» لأنها اتّكلت على الرئيس سعد الحريري ومَن يمثل، و«التيار الوطني الحر» لأنه لم يكن قادراً على التحرك من دون «اتفاق معراب»، وكذلك الآن لا يستطيع مواجهة الواقع بمفرده.
في المقابل يبدو أنّ الثنائي الشيعي قرّر اقتناصَ اللحظة لأنه وجدها الأنسب للشروع في مهمة تحسين موقعه وتموضعه في الدستور اللبناني.
وتوضح مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» سببَ عدم مشاركة جعجع شخصياً في قمة بكركي المارونية المنتظرة اليوم، فتشير الى «أنّ هذه القمة لم تعد على مستوى القادة ورؤساء الأحزاب الموارنة، بل على مستوى النواب والوزراء، كما أنّ «القوات» لم تقم بأيّ مشاورات في هذا الشأن مع الأطراف المشارِكة لا مع «المردة» أو «التيار الوطني الحر» ولا مع الكتائب بل قامت فقط بالمشاورات مع بكركي. مضيفة: نذهب في خلفية الأستماع الى هواجس البطريرك ولو أنّ رئيس الحزب موجود في لبنان كان سيشارك بالطبع في اللقاء لكنه خارج البلاد، لذلك ستشارك «القوات» من خلال جميع نواب كتلة «الجمهورية القوية» في الاجتماع انطلاقاً من رفضها التغيّب عن أيِّ دعوة يطلقها البطريرك ولأنّ «القوات» دائمةُ الجهوزية لتلبية جميع دعوات بكركي ومنسجمةٌ مع مواقف بكركي الوطنية، ونحن لا نعتبر أنّ هذا اللقاء لمصلحة أحد أو لتصفية حسابات أحد. بل هو لقاء لتأكيد الثوابت ولتأكيد المرجعية لبكركي ومشاركتنا ليست مع أحد أو ضد أحد.
وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية سيشارك شخصياً في الإجتماع الموسّع ومعه نواب «المردة» والوزراء الموارنة ولن يقتصر الحضور فقط على النائب طوني فرنجية والوزير يوسف فنيانوس حسب ما ذكر بعض الوسائل الإعلامية.
كذلك سيشارك في اللقاء اليوم الوزير جبران باسيل ومعه جميع النواب الموارنة في تكتل «لبنان القوي». وكذلك سيشارك النائب سامي الجميل والنواب الموارنة الكتائبيين، فضلاً عن رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض. وكذلك النواب الموارنة المستقلين.
الى ذلك، علمت «الجمهورية» أن الراعي تسلّم من الأقطاب الموارنة مسودة أفكار لمناقشتها في الإجتماع، وستناقش مع الأفكار التي سيطرحها الراعي.
في المقابل تتداول أوساط قريبة من «حزب الله» أنّ باسيل هو مَن دفع الى انعقاد هذا اللقاء الماروني في بكركي بعد تعلية سقف المواجهة مع الثنائي الشيعي. واستغربت هذه الأوساط أداءَ باسيل هذا، لافتةً أنّ «أحزابَ المعارضة لم تتعامل بهذا النحو مع الثنائي الشيعي على رغم الخلاف السياسي معها كـ»القوات» وغيرها. وقالت: «إنّ «القوات اللبنانية» لم تلجأ الى تعلية السقف بالدرجة التي وصل اليها باسيل لأنها ربما أدركت ضرورة التمسك باتفاق الطائف للمحافظة على ما تبقى من الوجود المسيحي ولم تختر المواجهة في هذه المرحلة بل بالعكس».
وفيما كشفت الأوساط نفسُها أنّ فرنجية أو جعجع ولو حضرا لقاء بكركي فإنهما لن يخوضا معركة باسيل الرئاسية بسلاحهما بعدما إستنفد ذخائره. تساءلت: «ألم يوصل «إتفاق الطائف» العماد عون الى الحكم؟ ولماذا يلمّح باسيل بعدما وصل عون الى سدة الرئاسة الى ضرورة تعديل «إتفاق الطائف»، وتحديداً الآن متسلحاً بالقصة الوجودية المسيحية مرتئياً توريط «القوات» و»المردة» لكي لا يتحمّل وحده مسوولية تداعيات خطواته إذا فشل في تحقيق أهدافه وانقلب السحر على الساحر، خصوصاً بعد جواب الثنائي الشيعي الذي كان الآتي: «إذا ما بدكن الطائف نحنا كمان بدنا متالتة. وبدنا نبلش بالعَد».
وأضافت الأوساط «أنّ جعجع وفرنجية يدركان أهدافَ باسيل، لذلك لن يقعا مجدداً في فخّ المخططات التي يرسمها وتخدم مصالحَه الشخصية فقط، كاشفةً عن معلومة تفيد «أنّ رسالةً قاسية اللهجة وُجِهت الى باسيل مفادها أنّ «الحزبَ غيرُ راضٍ على آدائه وهو مستاءٌ منه الى أبعد حدّ».