IMLebanon

هل ما زال المجهول… مجهولاً؟ وهل يصبح الفراغ حصيلة مستمرّة؟

ليس لدى اللبنانيين أي شك بأن الرئيس عون كان وما يزال، يريد لعهده انطلاقات ميّسرة السبل، يحيط بها أكبر قدر من الإجماع على مبادئها الأساسية التي تثبت للبنانيين، عودة مظفرة إلى دولة مغروسة في العمق الميثاقي اللبناني، ذلك التوجه العام الذي ساد هذه البلاد منذ النشأة اللبنانية الأولى، واستمر على وضعه الثابت والمترابط مع أوضاع المنطقة، فكان لبنان يحظى بالاحتضان العربي، حتى لبات الوطن الثاني لأبناء العروبة جمعاء، فكان على علاقات ممتازة، شعبياً ورسمياً مع مصر عبد الناصر حيث تكللت تلك العلاقات بلقاء القمة الشهير ما بين الرئيسين شهاب وعبد الناصر في تلك الخيمة المشهورة التي كرّست لقاءاتها وضعاً هادئاً وحائزاً على تفهم ورضى أهم المتخاصمين العرب في ذلك الحين، وكذلك الأمر، كانت العلاقات اللبنانية – الخليجية وفي طليعتها تلك التي كانت قائمة ما بين لبنان والسعودية، قمة في التعاون والتفاهم والتفهم لأوضاع لبنان الخاصة، وتمثلت بشكل خاص بعلاقات إقتصادية حافلة تمثلت بتملك الخليجيين عقارات وبنايات وشققاً لسكنهم الطويل مع عائلاتهم، خاصة في فترة الصيف مما جعل هذه الفترة لؤلؤة لبنانية متوهجة جلبت الخير والتقدم والإزدهار إلى أماكن الإصطياف المختلفة فضلاً عما جلبته إلى بيروت كمركز إقتصادي متوهج، حيث عرف لبنان في تلك المراحل إزدهاراً غير مسبوق لم يضعف ولم يتراجع إلا عقب هجرة الكفاح الفلسطيني المسلح من الأردن إلى لبنان عقب الأحداث الدامية التي نقلت إلينا فترة من المعاناة والأحداث الطاحنة التي ما زلنا نعاني من وجودها ومن رواسبها ومن آثارها بعيدة المدى، حتى الآن.

وجاءت المرحلة الدموية التي انتهت باغتيال الرئيس الحريري واستشهاده وهو في عز عطائه الكبير الذي قلب لبنان خلال سنوات قليلة من مرحلة الحرب والدمار، إلى مرحلة النهوض والبناء وخلق مداميك جديدة للإستقرار اللبناني على قواعد وأسس مؤتمر الطائف، ومنذ ارتكاب هذه الجريمة دولية الطابع وكان مرتكبوها خليطاً متكاملاً ومتناغماً من التآمر الإجرامي الذي تم في ذلك اليوم المشؤوم وأحوال هذا البلد تعاني من أوضاع شاذة، لئن اتخذت في بعض الأحيان طابعاً إيجابياً نتيجة لإنهاء الوجود العسكري السوري المباشر في لبنان، إلاّ أن تطور الأحداث لاحقاً أثبت أن هذا البلد تم تسليمه بكل مقومات الأمس الغابر والقادر، إلى جهات محلية، مدعومة من جهات إقليمية، قريبة وبعيدة، وكانت هذه الجهات رئيساً وأفراداً تجاهر وتفاخر بأنها جنود خلّص لدى نظام ولاية الفقيه وجناحه العسكري المتمثل بالحرس الثوري، يأكلون ويشربون ويتسلحون ويتقاضون رواتبهم على حسابه. إن أهم المراحل التي طبعت تلك المرحلة تمثلت في وثيقة التفاهم التي تمت بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والتي استفحلت آثارها ووصلت إلى حدود متطورة في التعاون والتلاحم ثلاثي الوجهات حيث تمثلت بحزب الله والتيار العوني محلياً وبالنظام السوري والنظام الإيراني إقليمياً، وتطورت الأحداث حيث وصلنا إلى الوضع الذي عشنا فيه ما يناهز الأعوام الثلاثة دون رئيس جمهورية، وتكرس الحكم بتلك الحكومة التي كان مقدراً لها أن تعيش بضعة أشهر فعاشت بضع سنوات حافلة بشتى أنواع التجاذبات والتلاعبات ومحاولات وضع اليد بمزيد من الضغوط والقدرة الأمنية التي مورست على مجمل سلطات البلد.

ولم تهدأ الأمور إلا بعد سنوات، من خلال مبادرة الرئيس سعد الحريري التي دلت كل ملامح بداياتها على أن البلد عائد إلى قواعده الثابتة، وتمثل ذلك خاصة بانتخاب الرئيس عون للرئاسة الاولى وبخطاب القسم الذي حاز على رضى الغالبية الساحقة من اللبنانيين بمن فيهم الفئات التي كانت تعارض بقوة وصول الجنرال إلى الرئاسة الأولى، وسارت الأحوال ببدايات جيدة تمثلت بزيارات قام بها فخامة الرئيس إلى بعض البلدان العربية الرئيسية، وبمواقف وبيانات هامة أعادت لبنان إلى مواقع الإعتدال واستعادة أحواله شبه الطبيعية مع الإخوة العرب، وبروز توجهات جدّية للعودة إلى مساندة ومساعدة لبنان في شتى الحقول العسكرية والاقتصادية. وبعد ذلك ومع الأسف، كان ما ليس بالحسبان، من خلال التصاريح التي أدلى بها رئيس الجمهورية اللبنانية للصحافة العربية وفيها يستعيد معظم مواقفه القديمة الداعمة للمقاومة باطاراتها المستقلة عن الدولة وسط «إقرار» رئاسي بأن الجيش اللبناني ذو قدرات ضعيفة وأن المقاومة جزء متمم لهذا الجيش وتلا ذلك تصريحات للسيد حسن استعادت كلامها القديم من خلال التعرّض للسعودية ودول الخليج واتهامها بنسج العلاقات مع إسرائيل من خلال تركيبة داعش!! وتلا ذلك التعليق «الناري» الذي رد فيه فخامة الرئيس على تصريح لمندوب إسرائيل في الأمم المتحدة. وهكذا، تكاتفت الظروف والتصريحات لإعادة لبنان إلى منطلق الصفر بعد أن بادرت الدول العربية كافة إلى تسوية الكثير من الأوضاع بما يعيد علاقاتها مع لبنان إلى حالة شبه طبيعية.

ولا نخال الاتصال الهاتفي الذي تم قبل أيام ما بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس سعد الحريري إلاّ اتصالاً مستفهماً عما جرى وما هو قائم وما هو متوقع.

ولا نخال موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق، من خلال إصداره لمرسوم الدعوة إلى الانتخابات المقبلة إلا موقفاً تعمَّد وزير الداخلية إصداره رغم الموقف الرافض للرئيس عون لتوقيعه. ويندرج في نفس الخانة توقيع هذا المرسوم لاحقاً من قبل الرئيس الحريري بما ينم عن تناقض ما في بعض قرارات المسؤولين، شديدة العجلة والحساسية.

ولا نخال النتائج المقلقة التي وصلت إليها البلاد حتى الآن من خلال مواقف متناقضة ومتناهضة إلاّ إمعاناً في الغوص في المجهول، وبما أطلق عليه فخافة الرئيس تسمية الفراغ، كأنما ما نالنا من شظاياه طوال عامين ونصف لم يكفنا ولم يشبعنا من سلبياته.

إلى أين؟ وهذه الساحة قد باتت مع الأسف ساحة صراع يربط ما بين الداخل والخارج، وتبرز فيه مجدداً وبصورة واضحة معالم تلك الدويلة التي تدعم جيش الدولة الذي قيل عنه أنه جيش ضعيف لا يستطيع مواجهة جيش متطور كالجيش الإسرائيلي؟!

إلى أين؟ وهل من الممكن أن تعود إلينا مرحلة الفراغ وأن ندخل أكثر فأكثر بمجهولية الوجود والمقام والمصير؟

وهل بات المجهول الذي يهددنا على هذه الساحة اللبنانية ما زال بالفعل مجهولاً إلى هذه الحدود، وهل يصبح الفراغ حصيلة ثابتة، تذهب وتختفي لتعود من جديد.