Site icon IMLebanon

هل نصدّق أنّ حكومة جديدة ستبصر النور؟

 

مجددا، يتضح أن وضع اللبنانيين في إطارات أجواء التفاؤل بالوصول إلى حلول قريبة هو أمل ورجاء وتصور تضعه الوقائع والأسباب الموضوعية، الخفيّ منها والجليّ، في خانة الشك، نظرا لما لهم من نتائج تراجعية مكررة، دفعت بكل مشاريع الحلول بعيدا عن التحقق، وما ذكر بهذا الخصوص، كان يتمثل في جملة من المطبات، ما أن ينجح أحدها في منع تشكيل الحكومة الجديدة، حتى ينبع لنا من حيث نتوقع أو لا نتوقع مطب جديد وأرنب جديد، يخرجه ذوو الأنامل المدربة وذات الخبرة، من خوابي العرقلة، قديمها والحديث، فلا تجد التأليف المنتظر حصوله بين عشية وضحاها إلاّ وقد أصبح في خبر كان.

ومع الأخذ بعين الاعتبار لملامح حل ما هو قيد التداول والإعداد، دعونا لا نعود بالذكر والتذكير إلى الارانب القديمة التي نجحت حتى الآن في تخريب السبل للوصول إلى حكومة تمثل لبنان وتحكمه وتنتشله من جملة المصائب والأخطار التي تقف حائلا دون إنقاذه وخلاصه، ولنحصر أقوالنا بسببين أساسيين من أسباب التأخير في التأليف، وإذا شئنا أن نكون موضوعيين فلنذكر أن التسمية تقتضي أن تكون: المنع من إطلاق سراح التشكيل الحكومي.

نبدأ بالداخل ونختصر المواقع المتعددة بالسبب الرئيسي القادر حتى الآن أن يكون سببا فاعلا وقادرا على تثبيت مذكرات التوقيف والمنع والعرقلة.

عندما يتشبث الوزير باسيل رئيس تجمع الإصلاح والتغيير، والممثل الدائم والثابت وصاحب الكلمة الفصل للعهد القوي، بالإصرار على حق الجهة التي يمثلها في التشكيلة الوزارية بالثلث المعطل، مخالفا بذلك الأوضاع الدستورية ومحاولا خلق أعراف جديدة تلبي طموحاته إلى تبوّؤ منصب رئاسة الجمهورية، وعندما يصبح في واقع الأمر التشاوري وسيطا رئيسيا يحاول تدوير الزوايا وتفكيك العقد، وعندما يتضح أن وساطته تخرج غالبا من إطار السعي الموضوعي المجرد ليكون الوزير السني المقترح عن مجموعة النواب السنة الستة نهاد عدرة، ممثلا أساسيا لتجمع الإصلاح والتغيير، مما قلب الأوضاع والطاولات في وجه هذا الاقتراح، فإن هذه «الوساطة» تشكل نموذجا لسعي مُداور، يصب في النتيجة في إطار طموحات جامحة للوصول المتسرّع قبل أوانه ومكانه المنتظر بعد أربع سنوات، ونذكر ذلك دون أن نتطرق إلى جملة من التصرفات والمواقف السلبية التي شكلت بحد ذاتها بعضا من العوائق المعرقلة لتشكيل الحكومة العتيدة، ونبقى في الإطار الداخلي حيثُ تطاولُنا بصورة مبرمجة الأرانب الرئيسية والأساسية التي تخرج إلينا من خوابي حزب الله غزيرة الإنتاج والإطلاق والهرولة الطائلة والقادرة في كل اتجاه، وفي كل مرّة نكتشف من خلالها سببا مانعا جديدا، وفي جميع الحالات، تصل بنا الأرانب المهرولة إلى نفس الغاية: ممنوع المرور… ممنوع التشكل. ولن نكون بملاحظتنا هذه ساذجين إلى حد وضعها وحصرها في سبب داخلي بريء الإنطلاق والغاية، فهي تصل إلينا قرارا قادما إلى هذه البلاد من طهران، فمعركة التأليف الحكومي المتعثر، هي جزء لا يتجزأ من فوران المنطقة ومن الدور الإيراني المنطلق إليها بعزم وتصميم من الطموحات الفارسية المكللة بجملة من الأشكال والأحوال المذهبية والقومية التي تسعى إيران إلى مدّها إلى بلادنا وإلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مرورا ببلدان ذلك الهلال الجغرافي الذي يمرّ بكل من العراق وسوريا وصولا إلى لبنان، فاذا بمروره بهما وقد أحالهما إلى كتل من الدمار والخراب والقتل الجماعي، واذا به يكاد أن يلغي كل دول تلك البلدان بميلشياته وأهدافه وعقائده وتوجهاته المذهبية والقومية، لتكون حكوماتها وقد تحولت إلى قيادات ميلشياوية، أكلت معالم الوطن والدولة وأصبحنا بها وبما أوردته إلى البلدان أمام سعي استعماري جديد تطاوله مجددا، طموحات فارسية امبراطورية، مغلِّفا أهدافه هذه بجملة من المعالم المستجدة، وفي كل الأحوال، هي معالم مجبولة بالخراب والدمار والموت، حتى اذا تعذر عليها ذلك في بعض الحالات، فانها تضع الدول «الممانعة» لسلطتها وقراراتها وطموحاتها، على مهاوي ومشارف خطيرة وقابلة للإنهيار والإنصهار في أي وقت ولأي عذر أو سبب.

ننتظر حكومتنا المقبلة كمولود يتخبط ويخبّط في بطن أمه منذ ما يناهز تسعة أشهر من الزمن، الولادة تعثرت ولا تزال، وإن أشرقت من بعض أنحائها مؤخرا بعض من آمال في الحل صادرة عن الرئيس الحريري وذلك عقب اطلاقه ذلك الإنذار الموجه إلى الجميع بأنه في حال حصول فشل جديد، فسيكون له موقف حاسم، ومنع المولود من الإطلالة للحياة هو بعض من الردّ على ما تعانيه إيران من مشاكل مختلفة الأشكال والأنواع من عدوّها الأميركي الساعي إلى تقييد اندفاعاتها التوسعية في جوارها العربي، وطموحاتها إلى أن تكون قوة عظمى يحسب لها على الصعد كافة، وها هي اليوم تغرق إلى أقصى الحدود في بحار المعاناة الاقتصادية وأعباء الحروب التي تشعلها في كل البقاع التي تطمح للوصول إليها، وها هي اليوم تغالي في فرض ما أمكنها من سلطة طائلة وقادرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وسواها من بلدان تمكنت من مدّ أصابعها إليها، وبصورة خاصة ها هو الوضع السوري يتطور ويتأزم ويتفاقم إلى حدود وضع المنطقة وفي طليعتها لبنان أمام مخاطر حرب ربما تكون وشيكة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وها هو لبنان اليوم معرّض لأن يكون في غمار أحداث احترابية شديدة الاحتمالات في حدتها وأثرها على اللبنانيين، أرضا وشعبا ومؤسسات، وفي مواجهة كل هذه التوقعات المرعبة، ممنوع على اللبنانيين أي تصرّف يدل على أن في عروقهم نبض من الحياة والإحساس بالخطر الذي يتناول وجودهم ومستقبلهم. إن تناقضاتنا الطائفية والمذهبية والمناطقية، قد شلّت قدرتنا على الحركة ومقاومة التصرفات والأوضاع الشاذة ومجابهة الأخطار الوجودية التي تسعى القوى الطامحة والطامعة إلى إبقائها في حالة تكاد أن تكون الغيبوبة بعينها.

نقول ذلك مع إشارة إلى بعض بصيص الآمال وقد فتحت بعض نوافذها ومعظمها صادر عن الرئيس الحريري الذي لا بد من الإشادة مجددا بطاقته على الصبر والتحمل ودرء ما أمكنه من الأخطار، إلاّ أن إمكاناته مهما عظمت فهي بالنتيجة تقارع مجابهات وأطماعا هائلة في الداخل وفي الخارج.

وقد أطلق الرئيس الحريري مؤخرا ذلك الإنذار الموجه إلى الجميع مشيرا إلى موقف حاسم سيتخذه في حال استمرار المهازل المفتعلة في وجه إنجاز التشكيل الحكومي، وهنا سنكون مع لبناننا المنكوب أمام مزيج من الاحتمالات والتوقعات المتراوحة بين التفاؤل، والقلق الشديد.

 

المحامي محمد أمين الداعوق