IMLebanon

فوز «صغير» هزيمة «كبيرة»!

لن ينتج فوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة الفرنسية تغييرات منظورة أو كبيرة، لا في الشأن الداخلي لبلاده، ولا في الشأن الأوروبي، ولا في شأن العلاقات مع الروس من جهة ومع الأميركيين من جهة ثانية. ولا على المسرح الدولي عموماً، ولا في الأزمة المزمنة الخاصة بالقضية الفلسطينية. ولا بمآلات الحرب على الإرهاب. ولا بالنكبة السورية. ولا في أسعار النفط. ولا في المصيبة الكورية الشمالية (غير المكتملة!) ولا في أي قصّة دولية أو إقليمية راهنة أو مخضرمة.. أو آتية!

وتلك «حالة» فرنسا اليوم. ووزنها في أوروبا، والعالم بشقّيه الحديث والقديم. وذلك لا يقلّل من كونها دولة نووية متقدمة في كل المجالات، في محيطها وخارجه، ومحوريّة في رسم توجهات الاتحاد الأوروبي وسياساته الداخلية والخارجية وأنظمته الاقتصادية والمالية والثقافية.. وغير ذلك من شؤون تُعنى بتنظيم حياة أكثر من أربعمئة وخمسين مليون أوروبي تعوّدوا على اندماج راقٍ (وصعب!) قبل أن تأتي تيريزا ماي وتعيد الاعتبار لحمائية قومية، لن يطول الزمن قبل أن يتبيّن أنّها صارت خارج هذا الزمن!

لكن خسارة ماكرون كانت ستعني الكثير المضاد، والمندرج في خانة سلبية أكيدة.. والمفارقة، هي أنّ «وزن» التأثير الفرنسي في معظم العناوين المذكورة آنفاً، كان سيذهب الى أعلى من حقائقه. وأكبر من أرقامه. وأوسع مدى من حدوده الوطنية، وصولاً الى إعادة صياغة الخارطة الأوروبية بدايةً.. ثمّ الاستطراد في مجاراة الأجندة الروسية، وبعدها (أو قبلها) زيادة شحن عالم مشحون بالتطرف في زبدة قيمه و«ثقافته».

فوز ماكرون أكد «فرنسيّة» الانتخابات. لكن خسارته كانت ستعني عولمتها بشكل أو بآخر، على عكس التجربة السابقة التي خاضها جاك شيراك ضد جان ماري لوبن في مطالع الألفيّة الثالثة، حيث كان العالم يومها، يبدو شديد الاستقرار في وضعية ما بعد الحرب الباردة. ولم تهتز ركائزه برغم تسجيل أوّل هجوم كبير على الأرض الأميركية في نيويورك، منذ «بيرل هاربر»، وخروج الولايات المتحدة الى حربَي أفغانستان والعراق، ثم انفلات ظاهرة الإرهاب على مدايات أوسع مما كانت عليه.

«صورة» العالم اليوم غير ذلك! وهي بشكل أو بآخر، نتاج تراكمات كثيرة، لكنّ الأساس فيها يبقى التفلّت الممنهج والمتدرّج من خلاصات ما بعد الحرب الباردة، ورهان فلاديمير بوتين، وصنوه الإيراني، على الاستفادة من «فرصة» باراك أوباما. والذهاب الى البناء على سلبيّتها، من أجل الارتداد الى ثنائيّة دولية مستحيلة!، أو ثلاثية موهومة على ما أفصحت عنه كثيراً، مطوّلات التعبئة الإيرانية تحت راية «ولاية الفقيه»!.

وذلك، باختصار، أدى الى اعتماد سياسات ذاتية منحلّة وشديدة الأنانية ولا تضع فوق رأسها أي سقوف، بما في ذلك المتاجرة بالإرهاب وتسويق التطرّف القومي والديني باعتباره بديلاً ناجحاً عن عولمة مأزومة!

والذهاب الى الآخر، في معادلة بدائيّة غرائزيّة غريبة عمادها تكسير مقوّمات قوّة الآخر لإنتاج وإنضاج إدّعاء قوة ذاتية و«عظمى»!

إنكسار مارين لوبن في أحد معانيه، لجم الاستطراد الروسي أساساً والإيراني فرعاً. وحجّم المسار الاندفاعي المرعب للعودة الى الخلف (القديم) والى الانكفائية المصاحبة ليقظة الذات على غريزة مدمّرة.

.. «الطفل المعجزة» إيمانويل ماكرون!