تراجع السجال حول ملف النزوح السوري بشكل لافت أمس ليحلّ مكانها الملفات الخلافية التي تضغط على الحكومة وتدخلها دوماً في دائرة الجمود والتأجيل كما هي الحال في مسألة التعيينات في المراكز الرسمية الشاغرة، وذلك في ضوء النقاش الضاغط حول الآلية الواجب اعتمادها وانقسام الحلفاء داخل الحكومة حولها. وبصرف النظر عن الملفات الخلافية الأخرى، وعلى الرغم من أن غالبية المكوّنات السياسية تقف مع خيار اعتماد الآلية الموضوعة في السابق في مجلس الوزراء، لملء الشواغر في كافة الإدارات، فإن مصادر نيابية مطّلعة، أكدت أن التسوية السياسية التي تحكم المشهد الداخلي، تنسحب اليوم على كل المقاربات السياسية والإدارية، ومن الطبيعي أن يتمثّل صانعو هذه التسوية بإبقاء الأداء الحكومي وفق معادلة التوافق السياسي على حساب الإعتبارات الأخرى التي من الواجب الأخذ بها في أي ملف.
وقالت المصادر نفسها، أن الحديث عن ضوابط أو معايير مستحدثة، وبشكل منفرد من قبل بعض الوزراء في تعيين الموظفين الكبار والمدراء العامين، لا يشكّل بديلاً عن الآلية الواجب اعتمادها، والتي تؤمّن كافة المعايير المطلوبة لتحقيق الشفافية وتأمين وصول الشخص الكفوء والنزيه إلى الإدارة. وأوضحت أن إطلاق يد الوزراء في هذه العملية، وبصرف النظر عن المعايير التي سيعتمدونها، سيؤدي إلى إدخال الإعتبارات الطائفية والسياسية والحزبية، وحتى «الإنتخابية» في أي تعيين مرتقب.
وفي هذا السياق، وجدت المصادر النيابية نفسها، أن اللجوء إلى حلول توافقية، يعني عملياً محاصصة غير معلنة بين القوى السياسية وتقاسم المراكز، بغض النظر عن الكفاءة والعناوين العديدة المرفوعة في مجال التعاطي مع المؤسّسات الرسمية. واعتبرت أن تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري على آلية التعيينات، وليس على أي صِيَغ أخرى تؤدي إلى تعديل هذه الآلية، ينطلق من موقف موحّد لأكثر من فريق سياسي داخل وخارج الحكومة، وهو ليس موقفاً مستجدّاً، بل نابع من الإصرار على وجوب تحقيق الإنتظام في عمل المؤسّسات. وأضافت المصادر ذاتها، أن «اللقاء التشاوري» في قصر بعبدا، تناول هذا الملف من زاوية التأكيد على تفعيل عمل الهيئات الرقابية لمنع المحاصصة في الإدارة ومواجهة الفساد والحفاظ على الشفافية المطلقة، وبالتالي، فإن أي تعديل للآلية أو نسفها من خلال ما يطرح على صعيد إعطاء الوزراء الحرية في التعيين في كافة الوزارات والمؤسّسات العامة، سيثير الشكوك، وسيحول دون أن تكون لأي موظف معيّن بهذه الطريقة أي هامش أو قدرة على الحفاظ على استقلالية القرار عن قرار الوزير أو المرجعية التي عيّنته.
ولفتت إلى أن تصوير اعتماد الآلية وكأنها تؤخّر عمل وإنتاجية الإدارات بهدف إلغائها أو تطييرها، لا يحقّق الغرض المطلوب لجهة تفعيل العمل الحكومي، لأن ضبط الفلتان والفساد والهدر لا يتم إلا من خلال تفعيل عمل المؤسّسات الرقابية. من هنا، فإن الإنطلاق نحو تنفيذ مقرّرات «اللقاء التشاوري»، يجب أن يمرّ من خلال ملء الشغور في ثلث ملاك الإدارة الرسمية، الأمر الذي سيؤثّر على إنتاجية القطاع العام، ويطلق عجلة العمل الرسمي بشكل فعلي، ولكن شرط أن يتم هذا التعيين من خلال مجلس الخدمة المدنية كما تطالب غالبية القوى السياسية، وذلك بهدف «النأي» بالإدارة عن أي تدخّلات واعتبارات سياسية، لا سيما وأن الساحة دخلت مدار الإستحقاق النيابي منذ إقرار قانون جديد للإنتخاب.