Site icon IMLebanon

«نوافذ» مفتوحة على «حزب الله» والحوثيين وحراك ثلاثي حول آلية انتقال النظام في سوري

ا

خلال مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي شهد اتّخاذ قرار تصنيف «حزب الله» «إرهابياً»، كان لافتاً عدم اعتراض مصر عليه. لكنّ المصريين، وفقَ معلومات «الجمهورية»، يُقلّلون من أهمّية موقفهم الآنف، ويرون أنّ مصر مضطرّة لمسايرة السعودية في بعض «المواقف الأقلّ شأناً» من وجهة نظرها، وذلك لمصلحة إبقاء توازن في علاقاتها مع الرياض، يَحفظ لها هامشَ تباينِها معها حول الأزمة السورية.

الجزائر وتونس مثلاً في نظر القاهرة، يمكنهما بسهولة معارضة توجّه السعودية لإدراج «حزب الله» على لائحة الإرهاب العربية، لأنّهما متحرّرتان من أيّ دور لهما على الساحة السورية، وعليه فهما خارج لعبة الاهتمام بإبقاء إيقاعاتهما داخل لعبة التوازنات العربية متوازنة وتحظى بروحية «التساهل في الأمور الأقلّ شأناً بالنسبة إليهما»، في مقابل «التشدّد في الأمور ذات الصِّلة بأولويّاتهما».

تريد القاهرة القول إنّ مجاراتها لموقف الرياض في اجتماع وزراء الداخلية العرب ضد «حزب الله»، هو نوع من إرضائها في مقابل أن تستمرّ السعودية في تفهّم وجهة نظر مصر المغايرة لها في موضوع الأزمة السورية.

يؤكّد المصريون أنّ نظرتهم إلى «حزب الله» لا تحمل معاني سلبية جديدة، ويذكرون بأنّ القاهرة رفضَت قبل نحو شهرين إنزال فضائية «المنار» عن قمر «عربسات»، على رغم ضغوط الرياض عليها لفعل ذلك.

ومن هنا تبقى مصر نافذة مفتوحة على تسوية أو هدنة عربية مع «حزب الله»، وذلك حينما يصبح الظرف الموضوعي الاقليمي ناضجاً لذلك.

السعودية من جهتها، تشرّع نافذةً في اتّجاه أفق من هذا النوع، وذلك من خلال إعطاء الضوء الأخضر لسفيرها في لبنان علي عواض عسيري للقاء الرئيس نبيه برّي وفتحِ حوار معه طالما إنّ أوان زيارة الأخير إلى السعودية لم ينضج بعد.

وفي الوقت عينه يحدث اختراق للصمت بين السعودية والحوثيين في اليمن، يتمثّل في حصول صفقة تبادل يُفرج بموجبها «أنصار الله» عن جندي سعودي أسير، في مقابل استعادة الحوثيين لنحو سبعة جثث كانت الرياض تحتفظ بها. وعلى رغم أنّ الصفقة ذات طابع ميداني وموضعي، لكنّ الحوثيين يَرَوْن فيها بداية فتح باب للحوار.

خلال الصيف الماضي، أبدت السعودية إشارات غير مباشرة تُظهر رغبتها في فتح حوار مع الحوثيين. أوكلت المهمّة الى دولة الكويت، ما أثار حينها حساسية لدى العمانيين الذين رأوا أنّ هدف الرياض ليس التوصل لتسوية مع الحوثيين، بل رغبتها في نقل ثِقل التوسّط لحلّ الأزمة اليمنية من مسقط القريبة من إيران إلى الكويت.

وبالفعل، حصَل لقاء مباشر بعيداً من الإعلام خلال آب الماضي بين سفير كويتي في إحدى الدول العربية وبين وفد من الحوثيين، وُصِف بأنّه استطلاعيّ، وفي ختامه أعلم سفير الكويت بلده، بأنّ الاجتماع كان إيجابياً ومشجّعاً، وبأنّ الوفد الحوثي أبدى اعتدالاً في طروحاته.

لم يتسنَّ بعد هذا اللقاء رصدُ حصول لقاء آخر يؤشّر إلى استمرار الدور الكويتي التوسطي بين السعودية والحوثيين، وسادت قطيعة بين كلّ المحور المشارك أو المؤيّد لـ»عاصفة الحزم» وبين «أنصار الله»، على رغم أنّ اتّصالاً سرّياً حصل بين الأميركيين و»جماعة أنصار الله» في مسقط، وكان هدفه إتمام عملية تسليم المخابرات الأميركية عميلاً لها وقعَ في قبضة الحوثيين.

تمّت العملية حينها بنجاح، وبعدها فقدَ الحوثي أيّ اتّصال مباشرةً أو بالواسطة مع الرياض والغرب. لكن نهايات الصيف الماضي تبرَّع الروس بدور لجسّ نبض توسط بين السعودية والحوثيين. وبدأت المبادرة باستجابة السعوديين لفكرة روسيّة تفيد بأنّ موسكو ستعمل للحصول على مطالب معقولة للتسوية تحصل عليها من الحوثيين. زمان هذه المبادرة الروسية كان قبل انعقاد مؤتمر جنيف اليمني الماضي، ونتائج تلك «الجولة الجنيفية» أظهرت أنّ موسكو أخفقَت.

غير أنّ عملية تبادل الجندي الأسير السعودي بجثث الحوثيين السبعة التي تمّت منذ أيام أشّرَت الى أنّ سياسة إبقاء الباب مفتوحاً للحوار عادت لتتجدّد، ولكن هذه المرّة عبر قناة سعودية حوثية مباشرة.

يكشف مصدر حوثي لـ«الجمهورية» أنّ عملية التبادل حصلت على (معبر) «منفذ علب» الواقع في منطقة عسكرية حساسة للسعودية. وتقصَّد الحوثيون كما السعوديون التأخّر في إعلان خبر رسمي عنها. ولكنّ اللافت أنّه وفي الوقت الذي كانت توضَع فيه الترتيبات الاخيرة لإتمام صفقة التبادل صعّدت الرياض على نحو ملحوظ من هجماتها الجوّية على صنعاء ومناطق يمنية أخرى يتمركز فيها الحوثيون.

والسبب هو رغبة الرياض في إظهار أنّها تذهب للصفقة من موقع قوة لا ضعف. ويؤشّر هذا الامر الى أنّ السعودية تريد إشعار الدوليين والحوثيين بأنّ المعنى الأمني والمحدود للصفقة هو أكبر من المعنى السياسي.

ومن وجهة نظر الحوثيين، فإنّ الرياض تُمارس تزامناً في التصعيد ضد «أنصار الله» في اليمن و«حزب الله» في لبنان في وقتٍ واحد وبوتيرة منسّقة. وعليه نلاحظ أنّها في هذه المرحلة تصَعّد عملياتها ضدّهما، وفي الوقت نفسه تفتح معهما نوافذ للحوار محدودة و»ملتبسة التفسير».

وترجمةُ هذه المعادلة يمكن قراءتها من خلال حقيقة أنّ السعودية قبلت بتبادل للأسرى والجثث للمرّة الأولى مع الحوثيين، وتقصّدَت أن يتزامن ذلك في توقيته مع تصعيدها عسكرياً ضد صنعاء، وفي التوازي أيضاً قامت بتصعيد سياسي وإعلامي وإجرائي ضد «حزب الله» في لبنان جَعلته يتزامن مع فتح كوّة حوار غير مباشرة عبر سفيرها في بيروت مع برّي. وفي الحالتين اليمنية واللبنانية تُظهر السعودية أنها تُمهّد لتسوية مع الحوثيين و«حزب الله»، مع إبداء أقوى الإشارات بأنّها تريد أن تأتي إليها من موقع قوّة وليس من موقع ضعف.

وفي التوازي تحاول تركيا للمرّة الأولى الخروجَ ولو بخطى بطيئة من عنقِ زجاجة خلافاتها مع إيران حول سوريا. وأوضَحُ تعبير عن ذلك ظهرَ الاسبوع الماضي من خلال تصريح لأوغلو الذي لفتَ الى تصميم أنقرة وطهران على حفظ حجم المصالح التجارية الكبيرة بينهما، وتصميمهما على إدارة خلافاتهما الإقليمية بأسلوب «تنظيم الخلاف» حولها.

في هذا الوقت يظهر بوضوح أنّ واشنطن اختارت هذا التوقيت لكي تدفعَ بالأوروبيين للموافقة على تسديد الفاتورة التركيّة؛ وتمّت ترجمة ذلك بحصول أنقرة من الاوروبّيين بعد طول انتظار على ٣ مليارات دولار إضافية، وموافقتهم على إدخالها منطقة «الشينغن» من دون فيزا ابتداءً مِن حزيران المقبل، وتعهّد بتسريع انضمامها إلى الاتّحاد الاوروبي، إضافةً إلى ضمانات دولية بعدم قيام كيان كردي في سوريا، وحتى استبعاد الأكراد عن جولات مفاوضات جنيف السورية الراهنة.

وتبقى كلمة السر في كلّ هذه التطورات التي يتمّ لفت النظر إليها بوصفها إشارات أوّلية عن اندفاعة تهدئة ضمن مناخ الصدام الراهن قد تمهّد لتسويات في المنطقة، تتمثّل في معلومات متداولة عن احتمال وصول وفد رسمي ايرانيّ الى الرياض في القريب المنظور.

ولكنّ مصادر هذه المعلومة تؤكّد أنّ مثلَ هذا التطور مؤجّل إلى ما بعد انتهاء جولة مفاوضات يوم ١٤ آذار السورية في جنيف، حيث إنّه حتى هذا التاريخ ستظلّ تحشّدات القوى السياسية الإقليمية على حالها من التباين والاستنفار المتقابل؛ ففي مواجهة التنسيق الأميركي – الروسي، هناك حاليّاً وراء الكواليس بحسب معلومات «الجمهورية» حوارٌ تركي – سعودي – أميركي – روسي هدفُه الاتفاق على معايير مقبولة لانتقال السلطة في سوريا.

وتَلفت هذه المعلومات الى أمرَين مهمَّين على هذا الصعيد، أوّلهما أنّ هذا الحوار الأممي – الإقليمي يستثني طهران، وثانيهما أنّ عنوانه ليس إصلاحَ النظام في سوريا وطبيعته، بل تحديداً نقاش عملية انتقال السلطة وطريقة إرساء توازنات داخلية وخارجية تدعم تحقيقها.

وبالتوازي مع هذا الحوار، تتفرّغ تركيا بتفويض سعودي هذه الفترة لمحاولة ترتيب أوراق المعارضات السورية بهدف إرسال وفد عنها إلى جنيف يوم ١٤ آذار، أكثر انسجاماً، وقادر على إظهار أنّ المعارضة باتت قادرة على فرض وزن سياسيّ لها في مقابل النظام على طاولة المفاوضات.

ليس مضموناً أن تنجح أنقرة في هذه المهمة التي كانت الرياض حاولت مِثلها عشية انعقاد جنيف الماضي ولكنّها فشلت؛ أو كما تقول الرياض تمَّ إفشالها من تحالف روسيا – النظام الذي اغتالَ زهران علوش، ممّا سَدّد للمعارضة ضربةً أمنية وسياسية قوية جاءَ توقيتها عشية تأهّبِها للمشاركة في جنيف الماضي.

والواقع أنّ المشهد راهناً عشيّة معاودة انعقاد مفاوضات جنيف السورية، يتمثّل في حراك ثلاثي إقليمي دولي ناقص إيران حول آليّة انتقال النظام، وتركي مع المعارضة لإنتاج وفد معارض بوزن سياسي وليس بالضرورة بأجندة سياسية مفصّلة، لأنّ الحوار السوري البيني حول طبيعة الإصلاحات مؤجّل بموجب قناعة دوليّة وإقليمية الى ما بعد إنتاج توافق إقليمي ودولي على آليّة انتقال السلطة.

بمعنى آخر، يجب على الاتفاق الإقليمي – الدولي حول سوريا ما بعد الأسد، كما تريد أنقرة والسعودية، أو مع الأسد لفترة كما تريد روسيا، أن يسبقَ الاتفاق السوري البيني، ونتيجة الاتفاق الأوّل ستحدّد طبيعة الاتفاق الثاني الذي سيتوصّل إليه السوريون، سواءٌ كان على فيدرالية أو كونفدرالية، أو العودة إلى دولة مركزية على نسَق «الطائف» اللبناني، وذلك لتلافي إعطاء الأكراد حيثية «حكم ذاتي» أو «إداري موسّع»، الأمر الذي تَعتبره أنقرة مسّاً مباشراً بأمنها القومي.