Site icon IMLebanon

رياح «فيينا» تتقدم.. والكلّ يعلم

في لبنان الكلّ يغني على «ليالي الأنس» في فيينا وفق ما يحلو له الاستئناس.. قوى الثامن من آذار تترنح بين حبس الأنفاس والتقاطها: «حبس» خشية اتفاق روسي- دولي يسحب البساط من تحت أقدام إيران والنظام السوري، و«التقاط» ربطاً باستدعاء طهران للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي المقابل تتبدى نشوة مشوبة بالحذر في أروقة الرابع عشر من آذار: «نشوة» مردها إلى اعتبار رأس النظام السوري أينع وحان وقت قطافه، و«حذر» منسوب إلى ترقب الثمن الذي ستطلبه موسكو وطهران مقابل إدخال ورقة النظام في محرقة مصالحهما الإقليمية والدولية.

وبين تغنّي 8 آذار بليالي «الفرس» في فيينا بوصفها ستنتج حلاً ضامناً لمحور الممانعة في المنطقة، وتعويل 14 آذار على كون مجرد مشاركة إيران في مفاوضات فيينا إنما يدل على جهوزيتها للمقايضة على رأس بشار الأسد.. يبقى تفصيل «بسيط» أمام الرهانات الوطنية الكبرى: ما مصير لبنان في خضمّ طبخة التسويات الجاري إنضاجها على مائدة فيينا؟ فالوطن يبدو ببساطة غارقاً في مستنقع الرهانات الكبرى بينما مصير قضاياه الكبرى غائب عن البال، وإن بدا في الصورة حاضراً على صورة وزير خارجيته جبران باسيل متموضعاً على طاولة الكبار إلى يسار وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف. 

أشرعة المركب الوطني مشلّعة وكادت أن تغرقه أوّل شتوة في «شبر ميّ»، كيف إذا لفحته رياح التسوية الإقليمية والدولية؟ 

الحاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى إلى «فيينا» لبنانية لبنانية في ساحة النجمة حيث يجب أن تشكّل طاولة الحوار الوطني في هذه المرحلة قبلة اللبنانيين يدخلونها آمنين مقتنعين مسلّمين بأنّ زمن التقارب حان إيذاناً بتلقّف لحظة التسوية الكبرى الآتية حكماً إلى سوريا. وإذا لم تتكوّن قناعة وطنية ذاتية بضرورة مغادرة جادة التمترس خلف العناد والمسارعة إلى التموضع خلف راية التوافق ولو بحدّه الوطني الأدنى، فإنّ قطار التسوية المحمّل بالحلول إلى المنطقة من اليمن إلى سوريا، سيعبر محطته اللبنانية من دون أن يجد من يستقبله ولا ما يستدعي التوقف عنده فيكمل مدركاً طريقه تاركاً وراءه يافطة مكتوب عليها: وطن برسم الاستثمار الإقليمي والدولي.

على الرغم من أنّ الكل يعلم أنّ التوافق «صنعة» لبنانية لا مهرب منها إلا إليها، لا يزال في الملعب الوطني من يرفض تمرير كرة التسوية إلى الآخر مكابراً ومتغافلاً عن كون اللعبة السياسية في لبنان لن تكون إلا جماعية تسووية لا غلبة فيها لفريق على فريق. ومهما تعالت هتافات الجمهور مذهبياً وطائفياً تحفيزاً للاعبي هذا الفريق أو ذاك، لن تكون النتيجة في نهاية كل الأوقات الأصلية والمستقطعة إلا على قاعدة الراحل جاك مارتان: «Tout Le Monde A Gagne».

هنا لبنان حيث لا غالب ولا مغلوب. 

الكل يعلم، وفي طليعتهم العماد ميشال عون أنّ الرئيس المقبل للجمهورية لن يكون إلا توافقياً، وقانون الانتخابات النيابية لن يقرّ إلا إذا حافظ نسبياً على معيار الغموض البنّاء في حسابات الربح والخسارة لدى كل فريق، والحكومة المقبلة لن تتشكل من دون قطبة ضامنة مخفية تُشعر جميع القوى الفاعلة بقدرتها على إمساك زمام المبادرة في شلّها أو تفعيلها.

الكل يعلم.. لا مفرّ من عودة «حزب الله» إلى لبنان. 

الكل يعلم.. لا مناص من انتخاب رئيس توافقي للجمهورية. 

الكل يعلم.. لا بدّ من إقرار قانون انتخابي جديد. 

الكل يعلم.. لا تمديد للمجلس النيابي الحالي والانتخابات حاصلة بعد عام ونصف. 

الكل يعلم.. رياح «فيينا» تتقدّم.

ولّى زمن العناد والمكابرة.. الحوار الوطني لم ينعقد للمّ النفايات بل للمّ الشمل.