دروس الانتخابات النيابية، بما كرّسته وما حملته من مفاجآت، كانت مكتوبة على الجدار قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع. مكتوبة بقانون انتخاب ضرب النسبية بلعنة الصوت التفضيلي المحكوم بالمذهبية. مكتوبة بالدوران في معركة عجيبة التحالفات غريبة الخصومات تدار بالصور والشعارات المضحكة التي يصنعها خبراء الاعلان، في غياب الحد الأدنى من السياسة كفنّ ادارة شؤون الناس وحضور الحد الأقصى من سياسة النكايات. ومكتوبة بأوهام التصور ان اللعب بالعصبيات الطائفية والمذهبية على أرض أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة يدفع الناس الى نسيان ما تعانيه. فلا امتناع نصف الناخبين عن ممارسة حقهم في الانتخاب سوى ممارسة لواجبهم في رفض الهزال السياسي المفروض عليهم. ولا العجز عن مواجهة مشروع اقليمي كبير بأكثر من مشاريع بلدية وظواهر صوتية يغري الناس بالحماسة للعاجزين.
ومن الصعب، قياسا على التجارب، التوقف أمام دروس الانتخابات. والأصعب، على أطراف في التركيبة السياسية، هو تعلم الدروس والسعي الى التصحيح والاصلاح بموجبها. فالكل ينظر الى نتائج المعركة فيرى انه منتصر. والواقع ان هناك رابحين وخاسرين ومنتصرا واحدا. الرابحون هم الذين زادوا مقاعدهم مثل القوات اللبنانية، والذين حافظوا على كتل كبيرة مع بعض الخسارة مثل تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، والذين وسّعوا تعددية الزعامة المارونية ومعهم الذين أكدوا تعددية الزعامة السنية في ظلّ الثنائية الشيعية. والمنتصر هو حزب الله الذي أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله ان الانتخابات أعطت ما طلبه: الحماية السياسية تحت سقف المجلس النيابي للمقاومة التي من مهامها حماية لبنان.
والسؤال هو: كيف يتم توظيف الأرباح والنصر في ما يسميه الجميع مرحلة جديدة، مع التمنّي ان تكون أفضل من المهلة السابقة والخوف من ان تكون أخطر أو أكثر بؤسا؟ التركيز في الخطاب هو على محاربة الفساد والالتفات الى ما يبدو كأنه تحسين سلوك النظام سياسيا واداريا والانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج. لكن لبنان ليس خارج الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها وخصوصا في سوريا وبين ايران واسرائيل تحت السقف الروسي والسقف الأميركي. فلا النأي بالنفس حال دون ان يذهب حزب الله الى المشاركة في حرب سوريا. ولا هو يمكن ان يجنّب لبنان مخاطر مواجهة اقليمية على المسرح السوري الذي صار مرتبطا بالمسرح اللبناني.
والغامض هو الرؤية الاقتصادية المطلوبة في اطار توظيف النصر. لكن الواضح هو الوظيفة الاقليمية للنصر والواضح أكثر هو ان اللعبة ليست في يد لاعب وحيد في لبنان، ولا في أيدي فريق واحد من اللاعبين في اللعبة الاقليمية والدولية.