IMLebanon

الفوز برئيس».. استثناء صعب في ظل تصادم إقليمي متصاعد

الارتفاع المتواصل والمتسارع لحدّة التصادمات الإقليمية، يضغط جدياً على الادارة الأميركية، للاختيار، وفي فترة الرئاسيات بالذات، بين اعطاء الأولوية للمخاوف من التنظيمات الجهادية في سوريا لديها، وبين اعطاء الأولوية لردع الروس في سوريا. صحيح أن هناك انطباعا عاما بأن أميركا متثاقلة الخطى في المنطقة، لكن هذا الاختيار بين هذا المسار وذاك قائم، وأميركا هي التي يتوجب عليها سلوك درب أحدهما أو الآخر. حتى الآن كان لا يزال ممكناً التأرجح بين المسارين. الآن ضاقت مساحة التأرجح، وصار الاختيار بين البناء على الخوف من الارهاب وبين البناء على ردع موسكو بجدية أمراً يصعب تأجيله في واشنطن.

هذا التصاعد في المناخ التصادمي الاقليمي له تأثيره السلبي على المحاولات المبذولة للخروج من أزمة الشغور الرئاسي المستفحلة منذ عامين ونصف. تأخر الولايات المتحدة في الاختيار بين «رؤية خطر النصرة أولا» أو رؤية «خطر روسيا أولاً»، من شأنه أن ينعكس لبنانياً.

تحييد لبنان عن الصراع في سوريا ما زال بشكل عام موضع اتفاق ضمني بين عواصم القرار، لكن الدوائر الديبلوماسية التابعة لهذه العواصم ترى ان هذا التحييد ليس مرتبطا ارتباطاً عضوياً بحل الشغور الرئاسي. بالتوازي، هذه الدوائر تجد نفسها مقحمة في الموضوع الرئاسي كلما طُرِح بجدية، لأنّ تشكيل المناخ المؤاتي لـ«الفوز برئيس جمهورية» يمرّ من خلالها أيضاً.

من الصعب تخيّل كيف يمكن للبنان أن ينال رئيساً في ظروف على هذا النحو من التردي اقليمياً، ومن التراشق بين موسكو وواشنطن، وبالذات عشية الانتخابات الأميركية.

ورغم ذلك لم نكن في يوم من الايام أمام انتخابات أميركية تبدو محسومة، كما حصل في الأيام الأخيرة، ومع بروز رثاثة المرشح الجمهوري دونالد ترامب بشكل نافر، وما لم يتمكن من «استلحق» الصدمة الاخلاقية الناشئة عن افشاء تصريحات رعناء سابقة له. هذا يعني ان المؤشر العام هو لبقاء الادارة الاميركية في يد الديموقراطيين، مع انتظار تعيين وزير خارجية أفضل من جون كيري، الذي تشكل تجربته واحدة من نقاط ضعف الادارة الحالية، وكانت التسجيلات بينت هنا ايضاً، عن قلة نظر تطبع سياسته، خصوصاً تجاه المسألة السورية.

بالتالي: وضع اقليمي يزيد الامور تعقيداً امام الاستحقاق. ولايات متحدة عليها ان تختار بين اولوية خطر الارهاب وبين اولوية الخطر الروسي، ولم يعد بامكانها التنصل من الاختيار. وفي نفس الوقت، ولايات متحدة «تحسم» رئاسياتها هذا الموسم، على ما يظهر من تخلع ظاهرة ترامب عشية الاستحقاق بشكل نافر. هذه «الاستمرارية الديموقراطية» في اميركا من شأنها تقليل الصورة المعطاة على ان العالم في حالة «فراغ امبراطوري» في الفترة بين مغادرة رئيس ومجيء آخر. يفترض ان يوفر ذلك من تلقائه ادراكاً روسياً الى ان أميركا ليست في وضعية اعطاء فترة سماح للأنداد والأخصام عبر العالم، بسبب انهماكها بانتخاباتها.

لا يعني كل ما تقدم ان الوضع الاقليمي والدولي يحكمان حتماً باستمرار الفراغ، بل ان يجعلا مهمة محاولات تجاوزه أصعب، ويلزمها استشعار سائر القوى أن التحييد النسبي للبنان حتى الآن فيه مصلحة للجميع، وان هذا التحييد النسبي الذي كانت تؤمن صيغته التركيبة الحكومية الحالية، رغم كل ما يمكن ان يقال بصددها، صار تحييداً نسبياً متطلباً اكثر، ويفترض وضع حد في أسرع وقت ممكن للشغور الرئاسي، وبشكل يضمن تشكيل حكومة بعد انتخاب الرئيس، كي لا ننتقل من وضعية حكومة بلا رئيس، الا وضعية رئيس بلا حكومة. بالتوازي، يخدم هذا الموقف أكثر ايثار من هم في خانة الترشح للرئاسة ايضاح التزامهم بضرورة الحفاظ على هذا التحييد النسبي واستجماع شروطه، والعمل على تطويره للمزيد من تحييد لبنان عن الحرائق الاقليمية.