كالعادة، مع أول زخّة مطر، سيكون اللبنانيون على موعد مع كارثة جديدة تُضاف إلى سلسلة الكوارث التي يعيشونها: فيضانات وسيول تغرق الطرقات الدولية والداخلية والأنفاق وتسبب شللاً كلياً لحركة المرور وغرق المركبات، وتترك أحياء بكاملها منكوبة، خصوصاً في العاصمة التي دخلت بلديتها في «كوما» منذ فترة طويلة. المشهد هو نفسه الذي شهدناه في «أيام العز» في السنوات الماضية، مع «إضافة بسيطة»، وهي أنه سيحدث هذا العام في ظل دولة مفلسة وبلديات خاوية… ما لم تتخذ إجراءات عاجلة وطارئة، كأن تضع الحكومة الجديدة بنداً أول على جدول مهامها: تنظيف الطرقات الدولية والداخلية من النفايات المتراكمة والأتربة التي تسد الأقنية ومصافي مياه الأمطار ومجاري الصرف الصحي.
«القصة كبيرة ومش مزحة» يقول المدير العام للطرق والمباني في وزارة الأشغال طانيوس بولس لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أن المتعهدين يرفضون القيام بالأعمال بسبب تدهور قيمة العقود التي ما زالت على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، فضلاً عن فقدان المحروقات التي تحتاجها الآليات لنقل العمال وإنجاز الأعمال.
ومن المعلوم أن تنظيف المجاري على الطرقات الدولية من مهمات وزارة الأشغال فيما تقع صيانة الطرقات الداخلية وتنظيفها على عاتق البلديات التي تعاني من موت بطيء اليوم وبالكاد تسد رواتب موظفيها.
وبحسب مصادر مطلعة، لم يبد أي من المتعهدين حماسة للالتزام بهذه الأشغال في ظل الأوضاع الاقتصادية، في وقت تسير أعمال المتعهدين الذين تنتهي عقود معظمهم نهاية العام بمنطق «الشفشقة».
المشكلة تنطوي على شقين: الأول يتعلق بالكنس، إذ لا تكنس الطرقات كما يجب من قبل الشركات المتعهدة كنس ورفع النفايات، فهي بالكاد ترفع النفايات بالمكابس، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة على معظم الطرقات حيث تتكدس النفايات كما تسد الريغارات التي اقتلعت أغطية معظمها، بالتالي حتى لو عمدت وزارة الأشغال إلى تنظيف المجاري على الطرقات الدولية ستسدها النفايات من جديد.
متعهدو الأشغال يرفضون تنظيف مصافي الأمطار وشبكات المجاري
تعزو الشركات المتعهدة رفع النفايات ضعف الكنس لقلة اليد العاملة، لأن الأجور المحتسبة وفق دولار 1500 ليرة تجعل من يقبل على العمل يتركه سريعاً، إلى جانب أزمة المحروقات التي تحتاجها الآليات لنقل العمال ورفع النفايات.
في بعض الأحياء الداخلية صارت بعض الشركات تطلب من الأهالي إخراج النفايات إلى الطريق العام لعدم دخول الطرقات الداخلية توفيراً للمحروقات!
المتعهد المهندس غابي مفرّج الذي يلتزم طرقات الضاحية الجنوبية أوضح «أن الكوارث كانت تحدث رغم أننا كنا نبدأ الإجراءات الاحترازية عادة في آخر آب، وكنا ننظف بعد كل شتوة بسبب انسداد أقنية التصريف نتيجة الأوساخ، خصوصاً أن البنية التحتية قديمة وتشهد ضغطاً هائلاً بسبب الكثافة السكانية، فكيف سيكون الحال مع غياب كلي لفتح وتعزيل المجاري، إذ إننا حتى الآن لم نبدأ كما يجب»!
السبب، وفق مفرج، أن «الآليات المخصصة لتنظيف أقنية المياه المكشوفة والمطمورة والتي تعتمد ضغط مياه عالياً لشفط العوالق وتسليك الأقنية تحتاج إلى كمية هائلة من المحروقات غير متوافرة، فضلاً عن أن صيانة أي آلية تستلزم الدفع بالدولار!
وأشار إلى أن شركته التي تضم 60 عاملاً «لم تقبض فلساً عن عملها منذ عام 2018. وحتى إذا دفعوا مستحقاتنا اليوم ما عادوا يسووا شي». وهي حال كثير من المتعهدين الذين يطالبون بدفع المستحقات القديمة التي انهارت قيمتها مع انهيار العملة رغم أن العقود موقعة بالدولار. كما يطالبون بتجديد العقود وفق تسعيرة جديدة أو إجراء مناقصات وفق بنود جديدة تأخذ بالحسبان المتغيرات في قيمة العملة.
«لا يمكن الركون إلى أحد لأن المسؤولية ضايعة بين وزارة الأشغال والمالية»، يقول مفرّج. والمشكلة وفق مصادر بلدية «تحتاج إلى إدارة جديدة وعاجلة من خارج التقليد اللبناني المعتاد برمي التهم لأن السلامة العامة مهددة بكارثة قريبة في كل المناطق اللبنانية وتحديداً في بيروت وضواحيها. ولهذا أولى أوليات الوزير الجديد اتخاذ قرار بتنظيف الطرقات وخطوط مياه الأمطار».