حُبِسَ المطر، تأخّر شتاء اللبنانيّين، عينٌ على السماء علّها تُرسِلُ ماءها ونُغاث، وعينٌ على أرضنا المجدبة، لا جبالٌ كلّلتها الثلوج، ولا حكومةٌ تُثلجُ قلوب اللبنانيّين، وما بين انحباسيْن نُسلّم جدلاً أنّ «السّاسة» اللبنانيّون «لا ربّ لهم» إلا مصالحهم، أمّا المراجع الروحيّة فنستغرب ألّا يصدر عنها سواء عند المسلمين فلا يدعو مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة إلى إقامة صلاة الاستسقاء، ولا أن يصدر عن المراجع المسيحيّة دعوة لرفع الصلوات عسى يكشف الله عن لبنان هذا الجدب والقحط؟!
ووسط هذا القحط في الدُّعاء لدفع البلاء ـ برغم الذين لا يؤمنون به ـ تخرجُ علينا أصواتٌ تتحدّثُ عن صواريخ لتفريق الغيم الرُّكامي وهي السبب الرئيسي في منع هطول المطر وهذه الصواريخ تطلقها روسيا لإبقاء الطقس مناسباً لتنفيذ طائراتها مهمات القصف على حلب، وهنا نتساءل هذا يؤثّر على لبنان؟ ولكن ماذا عن تركيا وفلسطين والأردن وأوروبا التي تأخر شتاؤها وكلّ دول حوض شرق المتوسّط، وهذا كلام يدعو للسخرية من مروّجيه ومن روسيا وصواريخها «الطقسيّة»!!
قد يبدو الأقرب إلى الحقيقة هو ما يشير إليه خبراء الطقس في المنطقة والذي يردّ تأخّر الشتاء إلى سيطرة منطقة من الضغط الجوي المرتفع على شمال أفريقيا وأوروبا وشرقي حوض البحر الأبيض المتوسط تعيق وصول المنخفضات الجويّة إلى لبنان، وليست المرّة الأولى التي نشهد فيها طقساً كهذا الذي يسيطر على لبنان، ويتأخّر فيه الشتاء، ولكنّ ما يدعو للأسف هو انصراف القادة الروحيّين للانشغال بأمور كثيرة غير توجيه طوائف المؤمنين للدّعاء واللجوء لربّ السماء والأرض، عسى أن يُحرّكوا الأرواح المستسلمة لهذا الجفاف الأرضي والجفاء السماويّ!!
في كتابه «الأم» أخرج الإمام محمّد بن إدريس الشافعي من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى، قال: «اللهم اسقِنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا غدَقًا، مجلِّلاً عاماً، طبقًا سحّاً دائمًا، اللهم اسقِنا الغيث، ولا تجعَلْنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخَلْق من اللأواءِ والجَهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبِتْ لنا الزرع، وأدِرَّ لنا الضرع، واسقِنا من بركات السماء، وأنبِتْ لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجَهدَ والجوع والعُرْيَ، واكشف عنا مِن البلاء ما لا يكشفه غيرُك، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفارًا؛ فأرسلِ السماءَ علينا مِدراراً»، قال الإمام الشافعي: وأحبُّ أن يدعوَ الإمام بهذا.
وجاء في السير (5/92) للإمام الذّهبي قال الأوزاعي: «خرجوا يستسقون بدمشق، وفيهم بلال بن سعد، فقام فقال: يا معشر من حضر! ألستم مقرين بالإساءة؟ قلنا: نعم، قال: اللهم إنك قلت: ((مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ)) [التوبة: 91] وقد أقررنا بالإساءة، فاعفُ عنا واسقنا، قال: فسقينا يومئذ.
اللهمّ إنّ الجُمعة هو «خير يوم طلعت عليه الشمس» وهو يوم «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يسأل الله – تعالى – شيئاً إلا أعطاه إياه»، اللهمّ أنت قلتَ وقولك الحقّ: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)) [الحج: 63] ويا ربّ أنت قلتَ وقولك الحقّ : ((أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)) [الواقعة: 68-70]، ويا ربِّ إنَّ ماءَ المُزْنِ يتنزّل علينا طاهراً من السّماء، فيا ربِّ اغفر زلّاتنا وتبْ علينا وارحمنا وأغثنا، اللهمّ إنّا ندعوك «اللهم اسقِنا غيثاً مغيثاً، مَريئاً مريعاً، نافعاً غير ضارٍّ، عاجلاً غيرَ آجل»، «اللهم اسقِ عبادَك وبهائمك، وانشُرْ رحمتك، وأحيِي بلدَك الميتَ»…