هكذا جاءنا موت صباح شبيهاً بأغنية مواويلها اللبنانيّة تلك، التي كانت تصرّ على أنّ لبنان ما زال على قيد الحياة،جاءنا موتها مصحوباً بلمع البرق وهدير الرّعد ووقع ماء السماء وندف الثلج يقرع شبابيك لبنان يضجّ في أرجاء بيوتنا: «موسم شتي..كان بعده بأولو..حتى الصنوبر ما قدر يتحمّلوه»…»كتّر خيرن»…كلّهم بالأمس تذكّروا «الصبوحة»، ونحن نصدّق حزنهم على رحيلها، لأننا نحن أنفسنا تفاجأنا بهذا الحزن الكبير الذي غمرنا على رحيل «الشحرورة»، كأننا خلناها باقية بيننا إلى الأبد، خالدة خلود أرزة من أرزات لبنان القديمة، كأنها كانت هنا منذ ترك لنا من سبقونا «هيهات يا بو الزّلف»، ومنذ رندحوا الميجانا والروزانا، بالأمس خلناها جبلاً، كانت جبلاً، وعصفورة، وشمساً، ونحلة، وفراشة، وامرأة لا تملّ من الحبّ ولا يملّ الحبّ منها، مهما تلقّت من صفعاته وخياناته ومهما تجرّعت من مراراته، من فوق كلّ ذلك كانت هي «الصبوحة»….
«كتّر خيرن»؛ بالأمس كلّ السياسيين، تذكروا أن ينعوا الصبوحة أوجعهم غيابها، ولكن؛ لا أحد منهم تذكّر أن يقود سيارته باتجاه الفندق حيث أمضت سنواتها الأخيرة، تفرح بالذين يتذكرونها ويزورونها، «كتّر خيرن»، ومن كان منهم في سدة المسؤوليّة علينا أن نسائله:»لماذا تركتم صباح ليعالجها بشار الأسد باسم الدولة السوريّة»؟! لماذا لم يتحرّك أحد منكم بالأمس ليقدّم التعازي لعائلة الصبوحة في الفندق حيث أمضت الشحرورة الأعوام المتبقية من عمرها، وتركتم سفير النظام السوري يقدّم التعازي باسم بشّار الأسد؟!
حتى عيد الاستقلال أبت الصبوحة أن ترحل إلا في ظلّه، فارقتنا كان صباحاً ممطراً بـ «عيد الاستقلال» على الرغم من أننا لم نستطع الاحتفال به هذا العام، صوت صباح وأغنياتها جزءٌ من ذاكرة الاستقلال فينا، خبر وفاة صباح اعاد كلّ أغنياتها للبنان، حضر «أرز الربّ العالي»، حضر «عسكر لبنان يا حامي استقلالنا..عالي جبينك بالميدان وعالي أرز جبالنا»، حضر «لبنان الكبير» بكلّ عثراته وأيامه الصعبة: «كلّ العسكر عسكرنا..وكلّ الأرض بتذكرنا..وما بدنا إلا لبنان..ينكتب عتذاكرنا»…. غنّت صباح لبنان حتى النفس الأخير، وأحبت مصر، واحبتها مصر وأعطتها اسمها «الصبوحة»، حزن بالأمس فنانونها ولن يفاجئنا حضورهم الأحد ليودعوها إلى مثواها الأخير، مصر بلدٌ وفيّ ، وفنانونها أوفياء وطيّبون وأحبوا صباح حتى يومها الأخير، أحسنوا استقبالها وأكرموا وفادتها، للأسف لم تحظَ صباح بالتكريم الذي حظيت به في مصر، لم يحتضنها لبنان بقدر ما احتضنته هي في صوتها!!
«موسم شتي»، وصباح تودّعنا ضاحكة. صوتها يرقص فرحاً، هي أخيراً كما الأغنية:»راجعة على ضيعتنا .. وعالأرض اللي ربتّنا.. ندر عليّ بوس الأرض اللـ حبيناها وحبّتنا..راجعة على ضيعتنا..راجعة/راجعة ضوّي اتنعشر شمعة/ راجعة غني وارقص جمعة/ راجعة خلّي حجار القلعة/تتعلم ترقص رقصتنا/ راجعة عالضيعة الحنونة/اللي فيها فتحت عيوني/راجعة عربش عالزيتونة/الـ كانت تبكي على فرقتنا/ندر عليّ بوس الأرض/اللـ حبيناها وحبتنا/ راجعة على ضيعتنا/ راجعة»…
وبـ»موسم شتي.. كان بعده بأولو..حتى الصنوبر ما قدر يتحمّلوه»، صباح «راجعة» الأحد إلى تراب ضيعتها، نتمنّى فقط أن نكون جميعاً في وداعها، وأن يكفّنها علم لبنان، وأن نرافقها إلى «مرقدها» الأخير بوردة وبصوتها «يُودِعها» الثرى مصحوبة بمحبتنا ووفائنا لأسطورة أعطتنا الكثير ولم تتوقع منّا إلا أن نحبّها فقط.